فصل في حكم الاعتكاف المنذور
( لزمه ) التتابع فيها إن صرح به لفظا ; لأنه وصف مقصود لما فيه من المبادرة للباقي عقب الإتيان ببعضه ، فإن نوى التتابع بقلبه لم يلزمه ، كما لو نذر أصل الاعتكاف بقلبه كما صححاه ، وهو المعتمد خلافا لما جرى عليه في الإرشاد واختاره ( إذا نذر مدة متتابعة ) ك لله علي اعتكاف عشرة أيام متتابعة السبكي ليوافق ما تقرر في عشرة بليال ، وقولهم : لو لم تلزمه الليالي حتى ينويها كمن نذر اعتكاف يوم لا يلزمه ضم الليلة إليه إلا أن ينويها ا هـ . نذر أن يعتكف أيام شهر أو شهرا نهارا
وصوبه الإسنوي نقلا عن الغزالي وجماعة ومغني ; لأن الليالي إذا وجبت بالنية مع أن في ذلك وقتا زائدا فوجوب التتابع أولى ; لأنه مجرد وصف ، وصححه الأذرعي لكن المصحح عندهما وجرى عليه في الحاوي عدم وجوب التتابع بنيته .
وأجاب البدر الزركشي وغيره عن قولهم المذكور بأن صورته أن ينذر أياما معينة فتجب الليالي المتخللة ; لأنه قد أحاط بها واجبان ، كما لو نذر اعتكاف شهر وظاهر أن ذلك ليس صورته فالأولى ما أجاب به الشيخ من أن التتابع ليس من جنس الزمن المنذور ، بخلاف الليالي بالنسبة للأيام ، ولا يلزم من إيجاب الجنس بنية التتابع إيجاب غيره بها ، وفارق أيضا تأثير النية في قولهم المذكور عدم تأثيرها فيما لو استثنى من الشهر ونحوه الأيام أو الليالي بقلبه فإنه لا يؤثر بأن في ذلك احتياطا للعبادة في الموضعين ، وبأن الغرض من النية هناك إدخال ما قد يراد من اللفظ ; لأن اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته ، وهنا إخراج ما شمله اللفظ ، وفارق ما لو نذر صوما متفرقا حيث لا يخرج عن عهدته بالمتوالي كعكسه بأن الشارع [ ص: 227 ] اعتبر في الصوم التفريق مرة والتتابع أخرى ، بخلاف الاعتكاف لم يطلب فيه التفريق أصلا ، وقول ولو التزم بالنذر التفريق أجزأه التتابع الغزالي : تعين تفريقها إنما يأتي على رأيه من كون النية تؤثر كاللفظ والأصح عدم تأثيرها كما مر ( والصحيح أنه لا يجب التتابع بلا شرط ) إذ لفظ الأسبوع ونحوه صادق على المتتابع وغيره فلا يجب أحدهما بخصوصه إلا بدليل ، نعم يسن التتابع . لو نوى أياما معينة كسبعة أيام متفرقة أولها غدا
والثاني يجب كما لو حلف لا يكلم فلانا شهرا ، وفرق الأول بأن المقصود في اليمين الهجر ولا يتحقق بدون التتابع ، وحكم الأيام مع نذر الليالي كحكم الليالي مع نذر الأيام فيما مر ( و ) الأصح كما في الروضة ( أنه ) من أيام بل عليه الدخول قبل الفجر واللبث إلى ما بعد الغروب ، إذ المفهوم من لفظ اليوم الاتصال ، فقد قال لو نذر يوما لم يجز تفريق ساعاته : إن اليوم اسم لما بين طلوع الفجر وغروب الشمس : والثاني يجوز تنزيلا للساعات من اليوم منزلة الأيام من الشهر ومحل الخلاف ما لم يعين يوما ، فإن عينه امتنع التفريق جزما ولو دخل المسجد في أثنائه ومكث إلى مثله من الغد مع الليلة المتخللة أجزأ عند الأكثرين لحصول التتابع بالبيوتة في المسجد وهذا هو المعتمد وإن ذهب الخليل أبو إسحاق إلى عدم إجزائه ، وقال الشيخان : إنه الوجه ; لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات والليلة ليست من اليوم ، امتنع عليه الخروج ليلا باتفاق الأصحاب ( و ) الأصح ( أنه لو لم يعين مدة كأسبوع ) عينه كهذا الأسبوع أو هذه السنة ( وتعرض للتتابع ) فيها لفظا ( وفاتته لزمه التتابع في القضاء ) لالتزامه إياه . ولو نذر يوما أوله من الزوال مثلا
والثاني لا يلزمه لوقوع التتابع ضرورة فلا أثر لتصريحه به ، فإن لم يعين الأسبوع لم يتصور فيه فوات ; لأنه على التراخي . وقول الشارح والأصح كما في الروضة أشار به لقوة الخلاف وأنه غير معطوف على ما قبله من دخول الصحيح فيفيد ضعفه ( وإن لم يتعرض له ) أي التتابع ( لم يلزمه في القضاء ) قطعا لوقوع التتابع فيه غير مقصود وإنما هو من ضرورة تعين الوقت فأشبه التتابع في شهر رمضان