( ) ويحصل ( بأن يحرم بالعمرة ) في أشهر الحج ( من ميقات بلده ) أو غيره ( ويفرغ منها ثم ينشئ حجا من الثالث التمتع مكة ) أو من الميقات الذي أحرم بالعمرة منه أو من مثل مسافته أو ميقات أقرب منه ، وسمي متمتعا لتمتع صاحبه بمحظورات الإحرام بينهما أو لتمتعه بسقوط العود إلى الميقات للحج ، وعلم مما تقرر أن قوله من بلده ومن مكة مثال لا قيد ( وأفضلها ) أي أوجه أداء النسكين المتقدمة ( الإفراد ) إن اعتمر عامه فإن أخرها عنه كان الإفراد مكروها إذ تأخيرها عنه مكروه ، والمراد بالعام ما بقي من الحجة الذي هو شهر حجه كما يفيده كلامالسبكي ، وشمل كلامه ما لو فيسمى إفرادا أيضا وهو ما صرح به اعتمر قبل أشهر الحج ثم حج من عامه ابن الرفعة والسبكي ، وكان مرادهما أنه يسمى بذلك حيث إنه أفضل من التمتع الموجب للدم ، وإلا فمطلق التمتع يشمل ذلك كما يصرح به كلام الشيخين ، بل صرح الرافعي بأن ذلك يسمى تمتعا ( وبعده التمتع وبعد التمتع القران ) ; لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين غير أنه لا ينشئ لهما ميقاتين ، وأما القارن فإنه يأتي بعمل واحد من ميقات واحد ( وفي قول التمتع أفضل من الإفراد ) ومنشأ الخلاف اختلاف الرواة في إحرامه صلى الله عليه وسلم ; لأنه صح عن جابر وعائشة رضي الله عنهم { وابن عباس } وعن أنه صلى الله عليه وسلم أفرد الحج { أنس } وعن أنه قرن { ابن عمر } ورجح الأول بأن رواته أكثر وبأن جابرا منهم أقدم صحبة وأشد عناية بضبط المناسك وأفعاله صلى الله عليه وسلم من لدن خروجه من أنه تمتع المدينة إلى أن تحلل ، وبأنه صلى الله عليه وسلم اختاره أولا كما يأتي ، وبالإجماع على أنه لا كراهة فيه وبأن المفرد لم يربح ميقاتا ولا استباح المحظورات كالمتمتع ، ولاندراج أفعال العمرة تحت الحج كالقارن فهو أشق عملا ، وأما تمنيه صلى الله عليه وسلم بقوله { } فلتطييب قلوب أصحابه لما حزنوا على عدم موافقته عند أمره لهم بالاعتمار لعدم الهدي والموافقة لتحصيلها هذا المعنى أهم عنده صلى الله عليه وسلم من فضيلة خاصة بالنسك . لو استقبلت من أمري ما استدبرت [ ص: 325 ] ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة
وللمصنف في مجموعه كلام في حجه صلى الله عليه وسلم وحج أصحابه لم يسبق إليه لنفاسته ولا اعتبار بالمنازعة فيه حيث قال : الصواب الذي نعتقده { } ، وخص بجوازه في تلك السنة للحاجة ، وبهذا يسهل الجمع بين الروايات ، فعمدة رواة الإفراد وهم الأكثر أول الإحرام ورواة القران آخره ، ومن روى التمتع أراد التمتع اللغوي وهو انتفاع وقد انتفع بالاكتفاء بفعل واحد . أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بالحج ثم أدخل عليه العمرة
ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في تلك السنة عمرة مفردة ، ولو جعلت حجته مفردة لكان غير معتمر في تلك السنة ، ولم يقل أحد إن الحج وحده أفضل من القران فانتظمت الروايات في حجته في نفسه .
وأما الصحابة رضي الله عنهم فكانوا ثلاثة أقسام : قسم أحرموا بحج وعمرة أو بحج ومعهم هدي ، وقسم بعمرة وفرغوا منها ثم أحرموا بحج ، وقسم بحج من غير هدي معهم أمرهم صلى الله عليه وسلم أن يقلبوه عمرة ، وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة وهو خاص بالصحابة ، أمرهم به صلى الله عليه وسلم لبيان مخالفة ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واعتقادهم أن إيقاعها فيه من أفجر الفجور ، كما أنه صلى الله عليه وسلم أدخل العمرة على الحج لذلك ودليل التخصيص خبر أبي داود عن الحارث بن بلال عن أبيه { } فانتظمت في إحرامهم أيضا ، فمن روى أنهم كانوا قارنين أو متمتعين أو مفردين أراد بعضهم وهم الذين علم منهم ذلك وظن أن البقية مثلهم ، وكره جمع تسمية حجه صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، ورده قلت : يا رسول الله أرأيت فسخ الحج إلى العمرة لنا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال : بل لكم خاصة المصنف بأنه غلط فاحش نابذ للأخبار الصحيحة في تسميتها بذلك ، وقد يجاب عنه بنحو ما مر في تسمية الطواف شوطا وبحث الإسنوي تبعا للبارزي أن يكون قرانه أفضل من الإفراد لاشتماله على مقصوده مع زيادة عمرة أخرى كمتيمم يرجو الماء آخر الوقت صلى بالتيمم أوله ثم بالوضوء آخره ، ورد بأنه لا يلاقي ما نحن فيه إذ الكلام في المفاضلة بين كيفيات أداء النسكين المسقط لطلبهما لا بين أداء النسكين فقط وأدائهما مع زيادة نسك متطوع به ، ويرد أيضا بأنا لو سلمنا أن كلامهم فيما نحن فيه نقول الإفراد أفضل حتى من [ ص: 326 ] القران مع العمرة المذكورة ; لأن في فضيلة الاتباع ما يربو على زيادة في العمل كما لا يخفى من فروع ذكروها ، وبما تقرر يعلم أن من استناب واحدا للحج وآخر للعمرة لا تحصل له كيفية الإفراد الفاضل ; لأن كيفية الإفراد لم تحصل له . القارن الذي اعتمر قبل قرانه أو بعده