( الرابع ) بالإجماع على المحرم إحراما مطلقا أو بحج أو بعمرة أو بهما ولو ببهيمة في قبل أو دبر بذكر متصل أو بمقطوع ولو من بهيمة أو بقدر الحشفة من فاقدها حتى يحرم على المرأة الحلال تمكين المحرم منه ، ويحرم على الحلال أيضا حال إحرام المرأة ما لم يرد به تحليلها بشرطه الآتي لقوله تعالى { من المحرمات [ ص: 340 ] ( الجماع ) فلا رفث ولا فسوق } أي فلا ترفثوا ولا تفسقوا ، فلفظه خبر ومعناه النهي ، إذ لو بقي على الخبر امتنع وقوعه في الحج ; لأن إخبار الله صدق قطعا مع أن ذلك وقع كثيرا .
والأصل في النهي الفساد ، والرفث فسره بالجماع وتحرم به مقدماته أيضا كقبلة ونظر ولمس ومعانقة بشهوة ولو مع عدم إنزال أو مع حائل ، ولا دم في النظر بشهوة والقبلة بحائل وإن أنزل ، بخلاف ما سوى ذلك من المقدمات فإن فيها الدم وإن لم ينزل إن باشر عمدا بشهوة والاستمناء في أنه لا بد في الدم فيه من الإنزال . ابن عباس
وفي الأنوار أنها تجب في تقبيل الغلام بشهوة ، وكأنه أخذه من تصوير المصنف فيمن قبل زوجته لوداع أنه إن قصد الإكرام أو أطلق فلا فدية أو للشهوة أثم وفدى ، ويندرج دم المباشرة في بدنة الجماع الواقع بعدها : أي أو بدلها ، وكذا في شاته كالواقع بعد الجماع المفسد أو بين التحللين فيما يظهر سواء أطال الزمن بين المقدمات والجماع أم قصر ، وذلك قياسا على حرمة العقد الآتي بل أولى ; لأنها تدعو إلى الوطء المحرم أكثر منه ، أما حيث لا شهوة فلا حرمة ولا فدية اتفاقا ( وتفسد به العمرة ) المفردة قبل الفراغ منها ، أما غير المفردة فهي تابعة للحج صحة وفسادا ( وكذا ) يفسد ( الحج ) بالجماع المذكور ( قبل التحلل الأول ) سواء أكان قبل الوقوف وهو إجماع أو بعده خلافا ، وسواء أفاته الحج أم لا كما في الأم ، ولو كان المجامع في النسك رقيقا أم صبيا مميزا ، إذ عمد الصبي عمد والرقيق مكلف ، وسواء أكان النسك متطوعا به أم مفروضا بنذر أو غيره لنفسه أو غيره كالأجير . لأبي حنيفة
أما الناسي والمجنون والمغمى عليه والنائم والمكره والجاهل لقرب عهده بالإسلام أو نشئه ببادية بعيدة عن العلماء فلا يفسد بجماعهم ، ولو جامع بعد الإفساد لزمه شاة .
وأفهم قوله يفسد أنه لا ينعقد إحرامه مجامعا وهو كذلك ولو أحرم حال نزعه انعقد صحيحا على أوجه الأوجه ; لأن النزع ليس بجماع ، وكذا رده فإنها إذا وجدت أثناء العمرة أو الحج ولو بعد التحلل الأول تفسده وإن قصر زمنها لمنافاتها له كغيره من العبادات ، ولا يشكل هذا بما مر من أنه لو ارتد في أثناء وضوئه لم يبطل ما مضى بدليل أنه لو أسلم كمل بنية مع أنه لا يكمل هنا ; لأن النية في الوضوء يمكن توزيعها على أعضائه فلم يلزم من بطلان بعضها بطلان كلها ، بخلافها في الحج فإنه لا يمكن توزيعها على أجزائه فكان المنافي لها مبطلا لها من أصلها فناسب فساده بها مطلقا ، وقوله قبل التحلل الأول قيد في الحج خاصة كما تقرر ، إذ العمرة ليس لها إلا تحلل واحد كما مر ( وتجب به ) أي الجماع المفسد لحج أو عمرة ولو نفلا لا بردة [ ص: 341 ] ( بدنة ) من الإبل ذكرا كانت أو أنثى لفتوى جمع من الصحابة رضي الله تعالى عنهم بذلك من غير أن يعرف لهم مخالف ، وخرج بالمفسد ما لو جامع في الحج بين التحليلين أو ثانيا بعد جماعه الأولى قبل التحللين فتجب به شاة والوجوب في الجميع على الرجل دونها ، وإن فسد نسكها بأن كانت محرمة مميزة مختارة عامدة عالمة بالتحريم كما في كفارة الصوم فهي عنه فقط سواء أكان الواطئ زوجا أم سيدا أم واطئا بشبهة أم زانيا ، وما ذكره في المجموع من حكاية الاتفاق على لزوم البدنة لها طريقة مرجوحة ، والمعول عليه ما مر .
واعلم أن البدنة حيث أطلقت في كتب الحديث أو الفقه فالمراد بها كما قاله المصنف البعير ذكرا كان أو أنثى وشرطها سن يجزئ في الأضحية ، وقال كثير من أئمة اللغة أو أكثرهم : تطلق على البعير والبقرة ، والمراد هنا ما مر فإن البقرة لا تجزئ إلا عند العجز عن البدنة ، فإن عجز عن البقرة أيضا فسبع شياه ، فإن لم يجدها قوم البدنة بالنقد الغالب ، وتعتبر القيمة بسعر مكة في غالب الأحوال ، كذا نقله في الكفاية عن نص المختصر وعن القاضيين أبي الطيب ، وفي شرح والحسين السبكي أنه يعتبر بسعر مكة حال الوجوب ، وجرى عليه الإسنوي وابن النقيب ، وليست المسألة في الشرحين ولا في الروضة ، ويشتري به طعاما ويتصدق به على مساكين الحرم ، وأقل ما يجزئ أن يدفع الواجب إلى ثلاثة إن قدر ، والمراد بالطعام المجزئ في الفطرة ، فإن عجز صام عن كل مد يوما ( و ) يجب على من أفسد نسكه بوطء لا بردة ( المضي في فاسده ) بأن يأتي بجميع معتبراته ويجتنب سائر منهياته وإلا لزمته الفدية أيضا لعموم قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } إذ هو يشمل الفاسد أيضا ، وبه أفتى جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم ، بخلاف سائر العبادات للخروج منها بالفساد إذ لا حرمة لها بعده .
نعم يجب الإمساك بقية النهار في صوم رمضان لحرمة زمانه كما مر ، أما ما فسد بالردة فلا يجب إتمامه وإن أسلم فورا ; لأنها أحبطته بالكلية ولذلك لم تجب فيها كفارة ( و ) يجب مع الإتمام والكفارة ( القضاء ) اتفاقا ( وإن كان نسكه تطوعا ) من صبي أو قن لفتوى الصحابة بذلك من غير مخالف ; ولأن إحرام الصبي صحيح وتطوعه كتطوع البالغ في اللزوم بالشروع .
قال : وإيجابه عليه ليس إيجاب تكليف بل معناه ترتبه في ذمته كغرامة ما أتلف ، ولو كان ما فسد بالجماع قضاء وجب قضاء المقضي لا القضاء ، فلو أحرم بالقضاء عشر مرات وأفسد الجميع لزمه قضاء واحد عن الأول وكفارة لكل واحد من العشر ، ويلزم المفسد في القضاء الإحرام مما أحرم منه في الأداء من ميقات أو قبله من دويرة أهله أو غيرها ، وإن كان جاوز الميقات ولو غير مريد نسكا لزمه في القضاء الإحرام منه إلا إن سلك فيه غير طريق الأداء فإنه [ ص: 342 ] يحرم من قدر مسافة الإحرام في الأداء إن لم يكن جاوز فيه الميقات غير محرم وإلا أحرم من قدر مسافة الميقات ، وعلم من ذلك أنه لو أفرد الحج ثم أحرم بالعمرة من أدنى الحل ثم أفسدها كفاه أن يحرم في قضائها من أدنى الحل وأنه لا يتعين عليه سلوك طريق الأداء لكن يشترط أن يحرم من قدر مسافته ، ولا يلزمه في القضاء أن يحرم في الزمن الذي أحرم فيه بل له التأخير عنه والتقديم عليه في الوقت الذي يجوز الإحرام فيه وفارق المكان فإنه ينضبط بخلاف الزمان ( والأصح أنه ) أي قضاء الفاسد ( على الفور ) لقول جمع من الصحابة من غير مخالف كأن يأتي بالعمرة عقب التحلل وتوابعه وبالحج في سنته إن أمكنه بأن يحصره العدو بعد الإفساد فيتحلل ثم يزول الحصر وبأن يرتد بعده أو يتحلل كذلك لمرض شرط التحلل به ثم يشفى والوقت باق فيشتغل بالقضاء ، فإن لم يمكنه أتى به من قابل ، ولا يشكل تسمية ما ذكر قضاء وإن وقع في وقته وهو العمر ; لأن القضاء هنا معناه اللغوي ومن ثم قال ابن الصلاح ابن يونس إنه أداء لا قضاء ; ولأنه بالإحرام بالأداء تضيق وقته ، بخلاف ما لو أفسد الصلاة فإنها لا تتضيق وإن قال جمع منهم القاضي بخلافه ; لأن آخر وقتها لم يتعين بالشروع فيها فلم يكن بفعلها بعد الإفساد موقعا لها في غير وقتها والنسك بالشروع فيه تضيق وقته ابتداء وانتهاء فإنه ينتهي بوقت الفوات فكان فعله في السنة الثانية خارج وقته فصح وصفه بالقضاء ، ولو خرجت المرأة لقضاء نسكها لزم الزوج زيادة نفقة السفر من زاد وراحلة ذهابا وإيابا ; لأنها غرامة تتعلق بالجماع فلزمته كالكفارة ولو غضبت لزمه الإنابة عنها من ماله ، ومؤنة الموطوءة بزنا أو شبهة عليها ، وأما نفقة الحضر فلا تلزم الزوج إلا أن يكون معها ، ويسن افتراقهما من حين الإحرام إلى أن يفرع التحللان وافتراقهما في مكان الجماع آكد للاختلاف في وجوبه ، ولو أفسد مفرد نسكه فتمتع في القضاء أو قرن جاز وكذا عكسه ، ولو أفسد القارن نسكه لزمه بدنة واحدة لانغمار العمرة في الحج ولزمه دم للقران الذي أفسده ; لأنه لزم بالشروع فلا يسقط بالإفساد ولزمه دم آخر للقران الذي التزمه بالإفساد في القضاء ولو أفرده ; لأنه متبرع بالإفراد ، ولو فات القارن الحج لفوات الوقوف فاتت العمرة تبعا له ولزمه دمان دم للفوات ودم لأجل القران وفي القضاء دم ثالث ، ومقابل الأصح أنه على التراخي كالأداء .