، ( ويحرم ) على محرم وحلال ( قطع ) أو قلع ( نبات الحرم ) الرطب وكان بعض أصله فيه : أي في الحرم مباحا كان أو مملوكا ( الذي لا يستنبت ) بالبناء للمفعول : أي من شأنه أن لا يستنبته الآدميون بأن ينبت بنفسه كالطرفاء شجرا أو غيره لقوله في الخبر المار { ولا يعضد شجره } أي لا يقطع { ولا يختلى خلاه } وهو بالقصر الحشيش الرطب وقيس بمكة باقي الحرم ، وفهم مما مر أنه لو غرست شجرة حرمية في الحل أو عكسه لم تنتقل الحرمة عنها في الأولى ولا إليها في الثانية ، بخلاف صيد دخل الحرم ، إذ للشجر أصل ثابت فاعتبر منبته ، بخلاف الصيد فاعتبر مكانه ولا تضمن حرمية نقلت من الحرم إليه إن نبتت وكذا إلى الحل ، لكن يجب ردها محافظة على حرمتها وإلا ضمنها كما قاله جمع واعتمده السبكي وغيره : أي بما بين قيمتها محترمة وغير محترمة ، ومن قلعها من الحل استقر عليه ضمانها وفهم أيضا أنه لا يضمن غصنا في الحرم أصله في الحل نظرا لأصله وإن ضمن صيدا فوقه لذلك .
قال الفوراني : ولو غرس في الحل نواة شجرة حرمية ثبت لها حكم الأصل ، ويحرم قطع شجرة أصلها في الحل والحرم تغليبا للحرمة ، وخرج بالرطب اليابس ، فلا يحرم قطعه ولا قلعه ; لأنه ليس نابتا في الحرم بل مغروز فيه بشرط موت أصله [ ص: 354 ] ولم يرج نباته وإلا لم يحل بخلاف قطعه فيحل مطلقا ، وإنما لم يأت نظير هذا التفصيل في الشجر اليابس ; لأنه يستخلف مع القطع ولا كذلك الشجر ، فإن في المجموع : وإطلاق الحشيش على الرطب مجاز فإنه حقيقة في اليابس وإنما يقال للرطب كلأ وعشب ، ولو أخذ غصنا من شجرة حرمية فأخلف مثله في سنته بأن كان لطيفا كالسواك فلا ضمان فيه فإن لم يخلف أو أخلف لا مثله أو مثله لا في سنته فعليه الضمان ، فإن أخلف مثله بعد وجوب ضمانه لم يسقط الضمان كما لو قلع سن مثغور فنبتت ، ويجوز أخذ أوراق الشجر بلا خبط لئلا يضر بها ، إذ خبطها حرام كما في المجموع نقلا عن الأصحاب ، ونقل اتفاقهم على جواز أخذ ثمرها وعود السواك ونحوه ، وقضيته أنه لا يضمن الغصن اللطيف وإن لم يخلف قال الأذرعي : وهو الأقرب .
قال الشيخ : لكنه مخالف لما مر انتهى ، والأوجه حمل ما هنا على ما هناك ( والأظهر تعلق الضمان به ) أي بقطع نبات الحرم الرطب ، وهو شامل للشجر كما مر فقوله ( وبقطع أشجاره ) من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام ( ففي ) أي يجب في قطع أو قلع ( الشجرة ) الحرمية ( الكبيرة ) بأن تسمى كبيرة عرفا ( بقرة ) كما رواه الشافعي عن ابن الزبير ولا يقال مثله إلا بتوقيف ، وسواء أخلفت الشجرة أم لا ، والبدنة في معنى البقرة كما في الروضة ، وإنما لم يسمحوا بها عن البقرة ولا عن الشاة في جزاء الصيد لمراعاتهم المثلية فيه بخلافه هنا ( و ) في ( الصغيرة ) إن قاربت سبع الكبيرة ( شاة ) فإن صغرت جدا ففيها القيمة .
قال الزركشي وسكت الرافعي عما جاوز سبع الكبيرة ولم ينته إلى حد الكبر ، وينبغي أن يجب فيه شاة أعظم من الواجبة في سبع الكبيرة ا هـ .
وسكت المصنف عن الواجب في غير الشجر من النبات ، والواجب فيه القيمة ; لأنه القياس ولم يرد نص بدفعه ولم يتعرض المصنف كالرافعي لسن البقرة والشاة .
والأوجه اشتراط إجزائهما في الأضحية خلافا لبعضهم وإن جرى الإسنوي على الفرق بين الشاة والبقرة ، وكلام المصنف يقتضي وجوب البقرة أو الشاة بمجرد القطع ولا يتوقف على قلع الشجرة ، وكلام التنبيه يقتضي التوقف عليه ، ولم يصرحا في الشرحين والروضة بالمسألة نعم عبر الرافعي بالتامة ، ولعله احترز به عن قطع الغصن ( قلت : و ) كذا ( المستنبت ) بفتح الموحدة ، [ ص: 355 ] وهو ما استنبته الآدميون من الشجر ( كغيره ) في الحرمة والضمان ( على المذهب ) وهو القول الأظهر لعموم الحديث .
والثاني المنع تشبيها له بالزرع : أي كالحنطة والشعير والبقول والخضراوات فإنه يجوز قطعه ولا ضمان فيه بلا خلاف . قاله في المجموع ، وكالزرع ما نبت بنفسه ( ويحل ) من شجر الحرم ( الإذخر ) قلعا وقطعا لاستثنائه في الخبر المار .
قال العباس { يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم وبيوتهم ، فقال صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر } ومعنى كونه لبيوتهم أنهم يسقفونها بضم القاف فوق الخشب ، والقين الحداد ، وظاهر إطلاق المصنف جواز تصرف الآخذ لذلك بجميع التصرفات من بيع أو غيره ، وهو ما عبر به الوالد رحمه الله تعالى في فتاويه بقوله قد يقال يجوز بيعه لخبر العباس : إلا الإذخر ، فيشمل من أخذه لينتفع بثمنه ، وقد قالوا : إن الإذخر مباح ، ثم عقبه بقوله ويجاب بأنه إنما أبيح لحاجة في جهة خاصة ، وقد قالوا : لا يجوز بيع شيء من شجر الحرم والبقيع ( وكذا ) ( الشوك ) يحل شجره ( كالعوسج ) جمع عوسجة نوع من الشوك ( وغيره ) من كل مؤذ كالمنتشر من الأغصان المضرة في طريق الناس ( عند الجمهور ) كالصيد المؤذي ، وقد أجاب في المجموع عن خبر الصحيحين { ولا يعضد شوكه } بأنه مخصص بالقياس على الفواسق الخمس ، وما اعترضه السبكي بأنه لا يتناول غيره فكيف يجيء التخصيص ؟ يرد بأنه متناول لما في الطرقات وغيره فيخص بغير ما في الطرقات ; لأنه لا يؤذي ، وقيل يحرم ويجب الضمان بقطعه ، وصححه المصنف في شرح مسلم ، وفرق بينه وبين الصيود المؤذية بأنها تقصد الأذى بخلاف الشجر .


