( وفي رمضان ) لا سيما في عشره الأخير أفضل لخبر { ؟ قال في رمضان أي الصدقة أفضل } ولعجز الفقراء عن الكسب فيه ويليه فيما يظهر عشر الحجة ، وفي الأماكن الشريفة كمكة ثم المدينة ، وعند الأمور المهمة كغزو ومرض وسفر وكسوف واستسقاء أفضل ، وليس المراد بذلك أن من أراد صدقة يندب له تأخيرها لشيء مما ذكر ، بل الاعتناء عند وجود ذلك بالإكثار منها فيه ; لأنه أعظم أجرا وأكثر فائدة ( ولقريب ) تلزمه نفقته أولا الأقرب فالأقرب من المحارم ثم الزوج أو الزوجة ثم غير [ ص: 174 ] المحرم والرحم من جهة الأب ومن جهة الأم سواء ، ثم محرم الرضاع ثم المصاهرة ثم المولى من أعلى ثم من أسفل أفضل ، ويجري ذلك في نحو الزكاة أيضا إذا كانوا بصفة الاستحقاق والعدو من الأقارب أولى لخبر فيه وألحق به العدو من غيرهم ( و ) دفعها بعد القريب إلى ( جار أفضل ) منه لغيره فعلم أن القريب البعيد الدار في البلد أفضل من الجار الأجنبي ، وفي غيرها ، وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم مطلقا ، ويكره كما في المجموع عن وأقره الأخذ ممن بيده حلال وحرام كالسلطان الجائر ، وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها ، ولا يحرم إلا إن تيقن أن هذا من الحرام الذي يمكن معرفة صاحبه ، وقول الشيخ أبي حامد الغزالي يحرم الأخذ ممن أكثر ماله حرام وكذا معاملته شاذ انفرد به : أي على أنه في بسيطه جرى على المذهب فجعل الورع اجتناب معاملة من أكثر ماله ربا ، قال : وإنما لم يحرم وإن غلب على الظن أنه ربا ; لأن الأصل المعتمد في الإملاك اليد ، ولم يثبت لنا فيه أصل آخر يعارضه فاستصحب ولم ينل بغلبة الظن ا . هـ .
قال غيره : ويجوز الأخذ من الحرام إن قصد به رده على مالكه ما لم يكن مفتيا أو حاكما أو شاهدا فيلزمه التصريح بأنه إنما يأخذه للرد على مالكه لئلا يسوء اعتقاد الناس في صدقه ودينه فيردون فتواه وحكمه وشهادته ( ومن عليه دين أو له من تلزمه نفقته يستحب ) له ( أن لا يتصدق حتى يؤدي ما عليه ) تقديما للأهم ، وعبارة الروضة والمحرر ، لا يستحب له أن يتصدق والأولى أولى ; لأن أهمية الدين إن لم تقتضي الحرمة على هذا القول فلا أقل من أن تقتضي طلب عدم الصدقة .
قال الأذرعي : وهذا ليس على إطلاقه إذ لا يقول أحد فيما أظن أن من عليه صداق أو غيره إذا تصدق بنحو رغيف مما يقطع بأنه لو بقي لم يدفعه لجهة الدين أنه لا يستحب له التصدق به ، وإنما المراد أن المسارعة لبراءة الذمة ، أولى وأحق من التطوع على الجملة ( قلت : الأصح تحريم صدقته ) ومنها إبراء مدين له موسر فيما يظهر مقرا وله به بينة ( بما يحتاج إليه ) حالا ( لنفقة ) ومؤنة ( من تلزمه نفقته أو لدين ) ولو مؤجلا لله أو لآدمي ( لا يرجو ) أي يظن ( له وفاء ) حالا في الحال وعند [ ص: 175 ] الحلول في المؤجل من جهة ظاهرة ( والله أعلم ) ; لأن الواجب لا يجوز تركه لسنة ، ومع حرمة التصدق يملكه الآخذ كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وما صححه في المجموع من التحريم بما يحتاجه لنفقة نفسه محمول على من لم يصبر على الإضافة ، وعليه حمل قولهم في التيمم يحرم على عطشان إيثار عطشان آخر فلا ينافيه ما صححه في الروضة من جوازه بذلك إذ هو محمول على من لم يصبر على ما ذكر ، وعليه يحمل قولهم في التيمم يجوز للمضطر إيثار مضطر آخر مسلم ولا يرد على الكتاب ; لأن من تلزمه نفقته يشمل نفسه أيضا ، واستشكال جمع ذلك بأن كثيرا من الصحابة والسلف تصدقوا بما يحتاجونه لعيالهم محمول على علمهم من عيالهم الكاملين الرضا والصبر والإيثار ، كما يدل على ذلك قول جمع لو كان من تلزمه نفقته بالغا عاقلا ورضي بذلك كان الأفضل التصدق ، أما إذا ظن وفاء دينه من جهة ظاهرة ولو عند حلول المؤجل فلا بأس بالتصدق حالا بل قد يسن .
نعم إن وجب أداؤه فورا لطلب صاحبه له أو لعصيانه بسببه مع عدم رضا صاحبه بالتأخير حرمت الصدقة قبل وفائه مطلقا : كما تحرم صلاة النفل على من عليه فرض فوري .