الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( والعلماء ) في الوصية لهم هم الموصوفون يوم الموت لا الوصية كما هو قياس ما مر بأنهم ( أصحاب علوم الشرع من تفسير ) وهو معرفة معاني كل آية وما أريد بها نقلا في التوقيفي واستنباطا في غيره ، ومن ثم قال الفارقي : لا يصرف لمن علم تفسير القرآن دون أحكامه ; لأنه كناقل الحديث ( وحديث ) وهو علم يعرف به حال الراوي قوة وضدها والمروي صحة وضدها وعلل ذلك ، ولا عبرة بمجرد الحفظ والسماع ( وفقه ) بأن يعرف من كل باب طرفا صالحا يهتدي به إلى معرفة باقيه مدركا واستنباطا وإن لم يكن مجتهدا عملا بالعرف المطرد المحمول عليه غالب الوصايا فإنه حيث أطلق العالم لا يتبادر منه إلا أحد هؤلاء ، ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها ، ولو عين علماء بلد أو فقراءه مثلا ولا عالم أو لا فقير فيهم وقت الموت بطلت الوصية ، ولو اجتمعت الثلاثة في واحد أخذ بأحدها فقط نظير ما يأتي في قسم الصدقات .

                                                                                                                            ولو أوصى لأعلم الناس اختص بالفقهاء لتعلق الفقه بأكثر العلوم والمتفقه من اشتغل بتحصيل الفقه وحصل شيئا منه له وقع ( لا مقرئ ) وإن أحسن طرق القراءات وأداها وضبط معانيها وأحكامها ( وأديب ) وهو من يعرف العلوم العربية نحوا وبيانا وصرفا ولغة وشعرا ومتعلقاتها ( ومعبر ) للرؤيا الحلمية ، والأفصح عابر من عبر بالتخفيف ، وفي الخبر " الرؤيا لأول عابر " ( وطبيب ) وهو من يعرف عوارض بدن الإنسان صحة وضدها ، وما يحصل أو ما يزيل كلا منهما ( وكذا متكلم عند الأكثرين ) وإن كان علمه بالنظر لمتعلقه أفضل العلوم وأصولي ماهر وإن كان الفقه مبنيا على علمه ; لأنه ليس بفقيه خلافا للصيمري ، وصاحب البيان ومنطقي وإن توقف كمالات العلوم على علمه ، وصوفي [ ص: 78 ] وإن كان التصوف المبني عليه تطهير الظاهر والباطن من كل خلق دني وتحليتهما بكل كمال ديني هو أفضل العلوم لما مر من العرف .

                                                                                                                            ولو أوصى للفقهاء دخل الفاضل دون المبتدي من شهر ونحوه وللمتوسط بينهما درجات يجتهد المفتي فيها والورع ترك الأخذ أو للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن على ظهر قلب أو للزهاد فلمن لم يطلب من الدنيا سوى ما يكفيه وعياله ، أو لأعقل الناس فلأزهدهم في الدنيا ، ومثله أكيسهم كما قاله القاضي ، أو لأجهلهم فلعبدة الأوثان ، فإن قال من المسلمين فلمن يسب الصحابة ، ولا يقدح في ذلك كونها معصية ، وهي في الجهة مبطلة ; لأن الضار ذكر المعصية لا ما قد يستلزمها أو يقارنها كما هنا ، ومن ثم ينبغي بل يتعين بطلانها لو قال لمن يعبد الوثن أو يسب الصحابة ، وقبول شهادة الساب لا يمنع عصيانه بالسب كما يعلم مما يأتي ، أو لأبخل الناس صرف إلى مانعي الزكاة كما قاله البغوي ، ويحتمل أن يصرف إلى من لا يقري الضيف أو لأحمق الناس .

                                                                                                                            قال الروياني : قال إبراهيم الحربي : يصرف إلى من يقول بالتثليث ، وقال الماوردي : عندي أنه يصرف إلى أسفه الناس ; لأن الحمق يرجع إلى الفعل دون الاعتقاد ، أو للسادة فالمتبادر عرفا بل وشرعا فيما يظهر أنهم الأشراف الآتي بيانهم .

                                                                                                                            والصوفية العاملون بالكتاب والسنة ظاهرا وباطنا ، وسيد الناس الخليفة ; لأنه المتبادر منه ، والشريف المنتسب من جهة الأب إلى الحسن والحسين ; لأن الشرف وإن عم كل رفيع إلا أنه اختص بأولاد فاطمة رضي الله عنهم عرفا مطردا عند الإطلاق

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : وما أريد بها ) أي من الأحكام ( قوله مدركا واستنباطا ) ويرجع في حده في كل زمن إلى عرف أهل محلته ففي زماننا العارف لما اشتهر الإفتاء به من مذهبه يعد فقيها وإن لم يستحضر من كل باب ما يهدي به إلى باقيه ( قوله : بطلت الوصية ) قد يتجه أن محله ما لم يوجد بتلك البلد علماء بغير العلوم الثلاثة وإلا حمل عليهم ، كما لو أوصى بشاة ولا شاة له وعنده ظباء تحمل الوصية عليها فتأمل ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            وأما لو لم يعين في وصيته أهل محل صرف إليهم في أي محل اتفق وجودهم فيه وإن بعد وله الصرف إلى غير بلد الموصي وإن كان فيه فقراء أو علماء ( قوله : وفي الخبر الرؤيا لأول عابر ) يعني أن من رأى رؤيا وقصها على جماعة طابقت ما قاله أولهم ، وظاهره وإن لم يكن من أهل التعبير ، ولكن يحرم على من ليس أهلا للتأويل ; لأنه إفتاء بغير علم ( قوله وكذا متكلم ) أي عالم بالعقائد ( قوله : وصاحب البيان ) هو العمراني [ ص: 78 ] قوله لما مر ) علة لقوله لا مقرئ إلخ ( قوله : على ظهر قلب ) أي عرفا فلا يضر غلط يسير ولا لحن كذلك فيما يظهر ( قوله : سوى ما يكفيه ) أي في الحالة الراهنة ( قوله : فلأزهدهم ) أي الأشد تباعدا عنها من غيره فيحافظ على أقل ما يكفيه ويترك ما زاد وإن تحققه من الحلال الصرف .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال في الدرس عما لو أوصى للأولياء هل تصحح وصيته وتدفع للأصلح أو تلغى ؟ فيه نظر .

                                                                                                                            والجواب أن الظاهر أن يقال فيه : إنه إن وجد من ينطبق عليه تعريف الولي بأنه الملازم للطاعة التارك للمعصية الغير المنهمك على الشهوات أعطي الموصى به له وإلا لغت الوصية ، ولا يشترط وجود الولي في بلد الموصي ، بل حيث وجد من اجتمعت فيه شروط الولي في أي محل وإن بعد عن بلد الموصي أعطيه لما يأتي من أنه يجوز النقل هنا إلى غير فقراء بلد المال إلخ ( قوله : ومثله أكيسهم ) أي أحسنهم ( قوله : وقبول شهادة الساب ) أي للصحابة ( قوله كما يعلم مما يأتي ) وعبارته في الشهادات وتقبل شهادة كل مبتدع لا نكفره ببدعته وإن سب الصحابة رضي الله عنهم أو استحل أموالنا ودماءنا ( قوله : إلى مانعي الزكاة إلخ ) معتمد ، وقوله إلى من يقول بالتثليث معتمد ( قوله أو للسادة ) خرج به ما لو قال للسادات فيحمل على ساداتنا بني الوفاء نفعنا الله بهم في الدنيا والآخرة ( قوله : وسيد الناس الخليفة ) أي الإمام ( قوله : إلا أنه اختص بأولاد فاطمة ) وهؤلاء هم الذين جعلت لهم العلامة الخضراء ليمتازوا بها فلا يليق بغيرهم من بقية آله صلى الله عليه وسلم لبسه ; لأنه تزيا بزيهم فيوهم انتسابه للحسن أو الحسين مع انتفاء نسبه عنهما ويمنع من ذلك فاعلمه وتنبه له



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وهو معرفة معاني كل آية ) قال الشهاب سم : ظاهره اعتبار معرفة الجميع بالفعل وقد يتوقف فيه . ا هـ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية