( فصل ) في التعزير وهو لغة من أسماء الأضداد ; لأنه يطلق على التفخيم والتعظيم وعلى التأديب وعلى أشد الضرب وعلى ضرب دون الحد كذا في القاموس ، والظاهر أن هذا الأخير غلط ، إذ هو وضع شرعي لا لغوي ; لأنه لم يعرف إلا من جهة الشرع فكيف ينسب لأهل اللغة الجاهلين بذلك من أصله ، والذي في الصحاح بعد تفسيره بالضرب ، ومنه [ ص: 19 ] سمي ضرب ما دون الحد تعزيرا ، فأشار إلى أن هذه الحقيقة الشرعية منقولة عن الحقيقة اللغوية بزيادة قيد هو كون ذلك الضرب دون الحد الشرعي فهو كلفظ الصلاة والزكاة ونحوهما المنقولة لوجود المعنى اللغوي فيها بزيادة ، وأصله العذر بفتح فسكون وهو المنع .
وشرعا ما تضمنه قوله ( لا حد لها ) ومراده بذلك يشمل القود ليدخل نحو قطع الطرف ( ولا كفارة ) سواء فيما ذكر مقدمة ما فيه حد وغيرها بالإجماع ، ولأمره تعالى الأزواج بالضرب عند النشوز ، ولما صح من فعله صلى الله عليه وسلم ، ولخبر { ( يعزر في كل معصية ) لله أو لآدمي } وأفتى أنه صلى الله عليه وسلم قال في سرقة تمر دون نصاب غرم مثله وجلدات نكال علي رضي الله عنه فيمن ، وما ذكره قال لآخر يا فاسق يا خبيث المصنف هو الأصل ، وقد ينتفي مع انتفائهما كذوي الهيئات لخبر { } وفي رواية : زلاتهم ، وفسرهم أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود رحمه الله بمن لا يعرف بالشر ، والمراد بذلك الصغائر التي لا حد فيها كما هو صريح كلام الشافعي ابن عبد السلام لكن كلامه صريح في عدم جواز على ذلك ، ونازعه تعزيرهم الأذرعي بأن ظاهر كلام رحمه الله ندب العفو عنهم ، وبأن الشافعي عمر عزر جمعا من مشاهير الصحابة وهم رءوس الأولياء وسادات الأمة ولم ينكر عليه أحد .
وقد يقال إن قول الأم لم يعزر ظاهر في الحرمة ، وفعل عمر اجتهاد منه ، والمجتهد لا ينكر عليه في مسائل الخلاف ، وكمن رأى زانيا بأهله وهو محصن فقتله [ ص: 20 ] لعذره بالحمية والغيظ ، ومحل ذلك إن ثبت عليه ما ذكر وإلا جاز له قتله باطنا ، وأقيد به ظاهرا كما في الأم ، في الجميع ولا ينافي الأخيرة تعزيره على وكقطع الشخص أطراف نفسه وكقذفه من لاعنها وتكليف قنه فوق طاقته وضرب حليلته تعديا ووطئها في دبرها أول مرة ; لأنه أفحش للإجماع على تحريمه ، وكفر مستحله مع أن الوطء في الدبر رذيلة ينبغي عدم إذاعتها ، وكالأصل لحق فرعه ما سوى قذفه كما مر ، وطء الحائض ، فإنه لا يحبس ولا يوكل به وإن أثم كما قاله الإمام ، وكتأخير قادر نفقة زوجة طلبتها أول النهار ، على أنه قد يقال انتفاء تعزيرهم ; لأن التعريض عندنا غير ملحق بالتصريح فلا يكون مما نحن فيه ، لكن قضية قول البحر ربما هيجهم التعزير للقتال فيترك أن تركه ليس لكون سببه غير معصية ، وكمن لا يفيد فيه إلا الضرب المبرح فلا يضرب أصلا كما نقله وكتعريض أهل البغي بسب الإمام الإمام عن المحققين ، وهو الأصح وإن بحث فيه الرافعي بأنه ينبغي ضربه غير مبرح إقامة لصورة الواجب واعتمده جمع ، كمجامع حليلته نهار رمضان وكالمظاهر وحالف يمين غموس وكقتل من لا يقاد به ، ومن اجتماعهما تعليق يد السارق في عنقه ساعة زيادة في نكاله وكالزيادة على [ ص: 21 ] الأربعين في حد الشرب ، وكمن زنى بأمه في وقد يجامع التعزير الكفارة الكعبة صائما رمضان معتكفا محرما فيلزمه الحد والعتق والبدنة ، ويعزر لقطع رحمه وانتهاك حرمة الكعبة .
قال ابن عبد السلام من اجتماعه مع الحد ما لو تكررت ردته ; لأنه إن عزر ثم قتل كان قتله لإصراره وهو معصية جديدة ، وإن أسلم عزر ولا حد فلم يجتمعا ، وقد يوجد حيث لا معصية كفعل غير مكلف ما يعزر عليه المكلف ، وكمن يكتسب باللهو المباح فللوالي تعزير الآخذ والدافع كما اقتضاه كلام الماوردي للمصلحة ، وكنفي المخنث للمصلحة وإن لم يرتكب معصية