[ ص: 358 ] 5 باب إنشاد الشعر في المساجد
7317 - حدثنا ، قال : ثنا يونس ، قال : حدثني عبد الله بن يوسف ، قال : حدثني الليث ، عن محمد بن عجلان ، عن عمرو بن شعيب أبيه ، عن رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جده نهى أن تنشد الأشعار في المسجد ، وأن يباع فيه السلع ، وأن يتحلق فيه قبل الصلاة .
قال : فذهب قوم إلى كراهة إنشاد الشعر في المساجد ، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث . أبو جعفر
وخالفهم في ذلك آخرون ، فلم يروا بإنشاد الشعر في المسجد بأسا إذا كان ذلك الشعر مما لا بأس بروايته وإنشاده في غير المسجد .
واحتجوا في ذلك بما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع ، أنه وضع لحسان منبرا في المسجد ينشد عليه الشعر ، وبما رويناه مع ذلك من حديث حسان رضي الله عنه ، حين مر به عمر رضي الله عنه وهو ينشد الشعر في المسجد ، فزجره .
فقال له حسان رضي الله عنه : قد كنت أنشد فيه الشعر لمن هو خير منك ، وذلك بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكر ذلك عليه منهم أحد ، ولا أنكره عليه أيضا عمر رضي الله عنه .
وكان حديث الذي قد بدأنا بذكره في أول هذا الباب قد يجوز أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بذلك الشعر الذي نهى عنه أن ينشد في المسجد ، هو الشعر الذي كانت يونس قريش تهجوه به .
ويجوز أن يكون هو من الشعر الذي تؤبن فيه النساء ، وتزرأ فيه الأموال ، على ما قد ذكرناه في باب رواية الشعر من جواب الأنصار - من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - لابن الزبير رضي الله عنه بذلك حين أنكر عليهم إنشاد الشعر حول الكعبة .
وقد يجوز أيضا أن يكون أراد بذلك الشعر الذي يغلب على المسجد ، حتى يكون كل من فيه أو أكثر من فيه متشاغلا بذلك ، كمثل ما تأول عليه ابن عائشة وأبو عبيد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا ، حتى يريه ، خير له من أن يمتلئ شعرا " على ما قد ذكرنا ذلك عنهما في غير هذا الموضع .
فيكون الشعر المنهي عنه في هذا الحديث ، هو خاص من الشعر وهو الذي فيه معنى من هذه المعاني الثلاثة ، التي ذكرنا ، حتى لا يضاد ذلك ما قد رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إباحة ذلك ، وما عمل به أصحابه من بعده .
فإن قال قائل : فإذا كان كما ذكرت ، فلم قصد إلى المسجد ؟ والذي ذكرت من الذي هجي به النبي صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 359 ] والذي أبنت فيه النساء ، ورزئت فيه الأموال ، مكروه في غير المسجد ، ولو كان كما ذكرت لم يكن لذكره في المسجد معنى ؟
قيل له : قد يجري الكلام كثيرا بذكر معنى ، فلا يكون ذلك المعنى بذلك الحكم الذي جرى في ذلك الذكر مخصوصا .
من ذلك قول الله عز وجل : وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم .
فذكر الربيبة التي قد كانت في حجر ربيبها ، فلم يكن ذلك على خصوصيتها ، لأنها كانت في حجره بذلك الحكم ، وأخرجها منه إذا لم تكن في حجره .
ألا ترى أنها لو كانت أسن منه أنها عليه حرام ، كحرمتها لو كانت صغيرة في حجره ؟
وقال عز وجل أيضا في الصيد : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم .
فأجمعت العلماء - إلا من شذ منهم - أن قتله إياه ساهيا كذلك في وجوب الجزاء .
فلم يكن ذكره ما ذكرنا من هاتين الآيتين يوجب خصوص الحكم .
فكذلك ما روينا من ذكره المسجد في الشعر المنهي عن روايته ، ليس فيه دليل على خصوصية المسجد بذلك .
وكذلك أيضا ما نهي عنه من البيع في المسجد ، هو البيع الذي يعمه ، أو يغلب عليه حتى يكون كالسوق ، فذلك مكروه .
فأما ما سوى ذلك فلا .
قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على إباحة العمل الذي ليس من القرب في المسجد .