( ولو ) ( بقي الجواز ) فيه ( مشتركا بين ندب وإباحة ) فيبقى الفعل إما مباحا ، أو مندوبا . لأن الماهية الحاصلة بعد النسخ مركبة من قيدين . أحدهما : زوال الحرج عن الفعل ، وهو المستفاد من الأمر ، والثاني : زوال الحرج عن الترك ، وهو المستفاد من الناسخ . وهذه الماهية صادقة على المندوب والمباح ، فلا يتعين أحدهما بخصوصه . وهذا اختيار ( نسخ وجوب ) فعل وغيره من أصحابنا . ورجحه المجد الرازي وأتباعه والمتأخرون . وحكي عن الأكثر . وقال في العدة ، القاضي في التمهيد وأبو الخطاب في الواضح ، وابن عقيل وابن حمدان في المقنع . يبقى الندب ، لأن المرتفع : التحتم بالطلب ، فإذا زال التحتم ، بقي أصل الطلب ، وهو الندب ، فيبقى الفعل مندوبا .
إذا علمت ذلك ، فذهبت طائفة : إلى أن الخلاف لفظي ، منهم : ابن التلمساني ، والهندي ، لأنا إن فسرنا الجواز بنفي الحرج ، فلا شك أنه جنس للواجب ، فإذا رفع الوجوب وحده ، فلا يلزم ارتفاعه . وإن فسرناه بالأعم ، أو بالإباحة ، أو بالندب : فخاصتها في خاصة الوجوب . فليس شيء منها جنسا للوجوب . فإذا رفع الوجوب لا يوجد إلا بدليل يخصها فلا نزاع ، لأن الأقوال لم تتوارد على محل واحد يخصها .
وأجيب عن ذلك : بأن الذي يعيد الحال إلى ما كان قبل الإيجاب : من إباحة ، أو تحريم ، أو كراهة ، غير الذي يؤخذ من حدوث الإيجاب بعد ذلك : أن تبقى إباحة شرعية ، أو ندب كما قرر ، حتى يستدل أنه مباح أو مندوب بذلك الأمر الذي نسخت خاصة التحتم به ، وبقية ما تضمنته باقية ، فلا يكون الخلاف [ ص: 134 ] لفظيا ، بل معنويا ، لأنه إذا كان قبل مجيء أمر الإيجاب حراما ، وأعيد الحال إلى ذلك كان حراما . ومن يقول يبقى الجواز ، لا يكون حراما