ويستثنى من عدم اشتراط العلم والقدرة : قاعدتان ، أشير إلى الأولى منهما بقوله ( إلا سبب عقوبة ) كالقصاص . فإنه لا يجب على مخطئ في القتل ، لعدم العلم ، وحد الزنا ، فإنه لا يجب على من ( ولا يشترط له تكليف ، ولا كسب ، ولا علم ، ولا قدرة ) ، لعدم العلم أيضا ، ولا على من وطئ أجنبية يظنها زوجته ، لعدم القدرة على الامتناع ; إذ العقوبات تستدعي وجود الجنايات التي تنتهك بها حرمة الشرع ، زجرا عنها وردعا ، والانتهاك إنما يتحقق مع العلم والقدرة والاختيار . والمختار للفعل : هو الذي إن شاء فعل ، وإن شاء ترك . والجاهل والمكره قد انتفى ذلك فيهما ، وهو شرط تحقق الانتهاك لانتفاء شرطه ، فتنتفي العقوبة لانتفاء سببها . أكرهت على الزنا
وأما القاعدة الثانية : فأشير إليها بقوله ( أو ) إلا ( نقل ملك ) كالبيع والهبة والوصية ونحوها ، فإنه [ ص: 136 ] يشترط فيها العلم والقدرة . فلو تلفظ بلفظ ناقل للملك ، وهو لا يعلم مقتضاه ، لكونه أعجميا بين العرب ، أو عربيا بين العجم ، أو أكره على ذلك : لم يلزمه مقتضاه . والحكمة في استثناء هاتين القاعدتين : عدم تعدي الشرع قانون العدل في الخلق ، والرفق بهم ، وإعفائهم عن تكليف المشاق ، أو التكليف بما لا يطاق ، وهو حليم .