( ويصح ) التكليف ( به ) أي بالفعل ( حقيقة ) أي على الحقيقة لا المجاز ( قبل حدوثه ) أي الفعل . قال الآمدي : اتفق الناس على جواز ، سوى شذوذ من أصحابنا . قال التكليف بالفعل قبل حدوثه : إذا [ ص: 155 ] تقدم الأمر على الفعل كان أمرا عندنا على الحقيقة . قال ابن عقيل القاضي عبد الوهاب المالكي : نقل الأكثرون أنه حقيقة . نقله ابن قاضي الجبل . وقيل : أمر إعلام وإيذان لا حقيقة ، وضعفه إمام الحرمين في البرهان بعد أن نقله عن أصحاب الأشعري بما معناه : أنه يلزم تحصيل الحاصل ، وأنه لا يرتضيه لنفسه عاقل . وقال قوم ، منهم الإمام الرازي : لا يتوجه الأمر بأن يتعلق بالفعل إلزاما إلا عند المباشرة له . وذكر بعضهم : أن هذا القول هو التحقيق ، إذ لا قدرة عليه إلا حينئذ .
وما قيل : من أنه يلزم عدم العصيان بتركه ؟ . فجوابه : أن الملام قبل المباشرة على التلبس بالكف عن الفعل المنهي ذلك الكف عنه . وهذا جواب عن سؤال مقدر على هذا القول الأخير . تقديره : أن القول به يؤدي إلى سلب التكاليف . فإنه يقول : لا أفعل حتى أكلف . والفرض أنه لا يكلف حتى يفعل . وجوابه : أنه قبل المباشرة متلبس بالترك ، وهو فعل فإن كف النفس عن الفعل فقد باشر الترك .
فتوجه إليه التكليف بترك الترك حالة مباشرته للترك . وذلك بالفعل وصار الملام على ذلك . وهذا جواب نفيس أشار إليه أبو المعالي في مسألة تكليف ما لا يطاق ( ولا ينقطع ) التكليف ( به ) أي بحدوث الفعل عند الأشعري والأكثر ; لأن الفعل في هذه الحالة مقدور للمكلف ، وكل مقدور يجوز التكليف به ، والتكليف هنا تعلق بمجموع الفعل من حيث هو مجموع ، لا بأول جزء منه .
فلا ينقطع التكليف إلا بتمام الفعل ، ويكون التكليف بإيجاد ما لم يوجد منه لا بإيجاد ما قد وجد ، فلا تكليف بإيجاد موجود فلا محال . واختلف العلماء في صحة الأمر بالفعل الموجود ، والأصح عدمها . قال في المسودة ، وتبعه المجد ابن مفلح : لا يصح الأمر بالموجود عند أصحابنا والجمهور . انتهى . لكن لا ينقطع التكليف إلا بتمام الفعل كما تقدم