ولم يبين صحته - أو كلاما هذا معناه - وكان الشيخ يقول : مذهب أبو حامد الإسفراييني وسائر الأئمة في القرآن خلاف قول الشافعي الأشعري . وقولهم : هو قول الإمام . وكذلك أحمد ، ذكر أن أبو محمد الجويني الأشعري خالف في مسألة الكلام قول وغيره وأنه أخطأ في ذلك . وكذلك سائر أئمة أصحاب الشافعي مالك وغيرهما يذكرون قولهم في حد الكلام وأنواعه من الأمر والنهي والخبر العام والخاص وغير ذلك . ويجعلون الخلاف في ذلك مع والشافعي الأشعري ، كما هو مبين في أصول الفقه التي صنفها أئمة أصحاب [ ص: 176 ] أبي حنيفة ومالك وغيرهم ثم قال بعد ذلك : ومن قال من والشافعي المعتزلة والكلابية : إن القرآن المنزل حكاية ذلك ، وظنوا أن المبلغ حاك لذلك الكلام . ولفظ الحكاية قد يراد به محاكاة الناس فيما يقولونه ويفعلونه اقتداء بهم وموافقة لهم ، فمن ، فقد غلط وضل ضلالا مبينا . قال : إن القرآن حكاية كلام الله تعالى بهذا المعنى
فإن ، ولا يقدر أحد أن يأتي بما يحكيه . القرآن لا يقدر الناس على أن يأتوا بمثله
وقد يراد بلفظ الحكاية النقل والتبليغ . كما يقال : فلان حكى عن فلان أنه قال كذا ، كما يقال عنه نقل عنه فهنا بمعنى التبليغ للمعنى . وقد يقال : حكى عنه أنه قال كذا وكذا ، لما قاله بلفظه ومعناه ، فالحكاية هنا بمعنى التبليغ للفظ والمعنى ، لكن يفرق بين أن يقول : حكيت كلامه على وجه المماثلة له ، وبين أن يقول : حكيت عنه كلامه ، وبلغت عنه أنه قال مثل قوله من غير تبليغ عنه . وقد يراد به المعنى الآخر ، وهو أنه بلغ عنه ما قاله . فإن أريد المعنى الأول ، جاز أن يقال : هذا حكاية كلام فلان ، وهذا مثل كلام فلان ، وليس هو مبلغا عنه كلامه ، وإن أريد به المعنى الثاني - وهو ما إذا حكى الإنسان عن غيره ما يقوله وبلغه عنه - فهنا يقال : هذا كلام فلان ، ولا يقال : هذا حكاية كلام فلان ، كما لا يقال هذا مثل كلام فلان . بل قد يقال : هذا كلام فلان بعينه ، بمعنى أنه لم يغيره ولم يحرف ولم يزد ولم ينقص . انتهى . قال الإمام رضي الله عنه القرآن كيف تصرف فهو غير مخلوق ، ولا نرى القول بالحكاية والعبارة . أحمد
وغلط من قال بهما وجهله . فقال : من قال إن القرآن عبارة عن كلام الله فقد غلط وجهل . وقال : الناسخ والمنسوخ في كتاب الله ، دون العبارة والحكاية .
وقال : هذه بدعة لم يقلها السلف . وقوله تعالى { تكليما } يبطل الحكاية . منه بدأ وإليه يعود . نقل ذلك ابن حمدان في نهاية المبتدئين . وقال شيخ الإسلام في مصنف له : واعترض القائل بالكلام النفسي بوجوه : أحدها : قول موفق الدين ابن قدامة : الأخطل
إن الكلام لفي الفؤاد
الثاني : سلمنا أن كلام الآدمي حرف وصوت ولكن كلام الله تعالى يخالفه ; لأنه صفته ، فلا تشبه صفته صفات الآدميين ، [ ص: 177 ] ولا كلامه كلامهم . الثالث : أن مذهبكم في الصفات أن لا تفسر . فكيف فسرتم كلام الله تعالى بما ذكرتم ؟ الرابع : أن الحروف لا تخرج إلا من مخارج وأدوات والصوت لا يكون إلا من جسم . والله تعالى يتعالى عن ذلك . الخامس : أن الحروف يدخلها التعاقب ، فالباء تسبق السين ، والسين تسبق الميم وكل مسبوق مخلوق . السادس : أن هذا يدخله التجزي والتعداد ، والقديم لا يتجزأ ولا يتعدد . قال شيخ الإسلام : الجواب عن الأول من وجوه . الأول : أن هذا كلام شاعر نصراني عدو الله ورسوله ودينه . فهل يجب إطراح كلام الله ورسوله وسائر الخلق تصحيحا لكلامه ، وحمل كلامهم على المجاز صيانة لكلمته هذه عن المجاز ؟ وأيضا : فتحتاجون إلى إثبات هذا الشعر ببيان إسناده ونقل الثقات له ، ولا نقنع بدعوى شهرته ، وقد يشتهر الفاسد . وقد سمعت شيخنا الموفق أبا محمد بن الخشاب إمام أهل العربية في زمانه يقول : قد فتشت دواوين العتيقة فلم أجد هذا البيت فيها . الثاني : لا نسلم أن لفظه هكذا ، وإنما قال : إن البيان لفي الفؤاد فحرفوه وقالوا : الكلام . الثالث : أن هذا مجاز أراد به أن الكلام من عقلاء الناس في الغالب إنما يكون بعد التروي فيه ، واستحضار معانيه في القلب ، كما قيل : لسان الحكيم من وراء قلبه . [ فإذا أراد الكلام رجع إلى قلبه ] فإن كان له قال ، وإن لم يكن له سكت ، وكلام الجاهل على طرف لسانه . والدليل على أن هذا مجاز من وجوه كثيرة . أحدها : ما ذكرنا ، وما تركناه أكثر مما ذكرنا مما يدل على أن الكلام هو النطق ، وحمله على حقيقته ، وحمل كلام الأخطل على مجازها أولى من العكس . الثاني : أن الحقيقة يستدل عليها بسبقها إلى الذهن وتبادر الأفهام إليها ، وإنما يفهم من إطلاق الكلام ما ذكرناه . الثالث : ترتيب الأحكام على ما ذكرناه دون ما ذكروه . الرابع : قول أهل العربية الذين هم أهل اللسان ، وهم أعرف بهذا الشأن . الخامس : من الاشتقاق الذي ذكرناه . السادس : لا تصح إضافة ما ذكروه إلى الله تعالى . فإنه جعل الكلام في الفؤاد . والله سبحانه وتعالى لا يوصف بذلك . وجعل اللسان دليلا عليه ، ولأن الذي عبر عنه الأخطل بالكلام هو [ ص: 178 ] التروي والفكر ، واستحضار المعاني ، وحديث النفس ووسوستها . ولا يجوز إضافة شيء من ذلك إلى الله تعالى بلا خلاف بين المسلمين . قال : ومن أعجب الأمور أن خصومنا ردوا على الله وعلى رسوله ، وخالفوا جميع الخلق من المسلمين وغيرهم فرارا من التشبيه على زعمهم ، ثم صاروا إلى تشبيه أقبح وأفحش من كل تشبيه . الأخطلوهذا نوع من التغفيل .