( وهي ) أي ( مفرد ، كزيد ، ومركب ، كعبد الله ) أما المفرد فلا نزاع في وضع اللغة نوعان العرب له ، وأما المركب ، فالصحيح : أنه من اللغة . وعليه الأكثر ، وأن المركب مرادف للمؤلف ، لترادف التركيب والتأليف .
ثم اعلم أن المفرد في اصطلاح النحاة : هو الكلمة الواحدة ، كما مثلنا في المتن ، وعند المناطقة والأصوليين : لفظ وضع لمعنى ، ولا جزء لذلك اللفظ يدل على جزء المعنى الموضوع له . فشمل ذلك أربعة أقسام . الأول : ما لا جزء له ألبتة ، كباء الجر . [ ص: 33 ] الثاني : ما له جزء ، ولكن لا يدل مطلقا ، كالزاي من زيد . الثالث : ما له جزء يدل ، لكن لا على جزء المعنى . كإن من حروف إنسان . فإنها لا تدل على بعض الإنسان ، وإن كانت بانفرادها تدل على الشرط أو النفي . الرابع : ما له جزء يدل على جزء المعنى ، لكن في غير ذلك الوضع كقولنا : حيوان ناطق ، علما على شخص .
واعلم أيضا : أن المركب عند النحاة : ما كان أكثر من كلمة ، فشمل التركيب المزجي ، كبعلبك ، وسيبويه ، وخمسة عشر ، ونحوها ، والمضاف ، ولو علما ، كما مثلنا في المتن . وعند المناطقة والأصوليين : ما دل جزؤه على جزء معناه الذي وضع له ، فشمل الإسنادي ، كقام زيد ، والإضافي : كغلام زيد ، والتقييدي ، كزيد العالم . وأما نحو " يضرب " فمفرد على مذهب النحاة ، ومركب على مذهب المناطقة والأصوليين ; لأن الياء منه تدل على جزء معناه ، وهو المضارعة .
( والمفرد ) من حيث هو قسمان قسم ( مهمل ) كأسماء حروف الهجاء ; لأن مدلولاتها هي عينها . فإن مدلول الألف : " أ " ومدلول الباء " ب " . وهكذا إلى آخرها . وهذه المدلولات لم توضع بإزاء شيء . قال ابن العراقي وغيره : ألا ترى أن الصاد موضوع لهذا الحرف ، وهو مهمل ، لا معنى له ، وإنما يتعلمه الصغار في الابتداء للتوصل به إلى معرفة غيره ( و ) قسم ( مستعمل ) .
إذا تقرر هذا ( ف ) المفرد المستعمل ( إن استقل بمعناه . فإن دل بهيئته على زمن ) من الأزمنة ( الثلاثة ) وهي الماضي والحال والاستقبال ( ف ) هو ( الفعل ) ( هو ) أي الفعل ثلاثة أنواع . أحدها ( ماض ) كقام ونحوه ( ويعرض له الاستقبال بالشرط ) نحو إن قام زيد قمت . فأصل وضعه للماضي . وقد يخرج عن أصله لما يعرض له ( و ) النوع الثاني ( مضارع ) كيقوم ونحوه ( ويعرض له المضي بلم ) نحو لم يقم زيد . فأصل وضعه للحال والاستقبال .
وقد يخرج عن أصله لما يعرض له ، . المشهور منها : أنه مشترك بين الحال والاستقبال . قال وللعلماء فيما وضع له المضارع مذاهب خمسة ابن مالك : إلا أن الحال يترجح عند التجرد . الثاني : أنه [ ص: 34 ] حقيقة في الحال ، مجاز في الاستقبال . الثالث : أنه حقيقة في الاستقبال ، مجاز في الحال . الرابع : أنه حقيقة في الحال ، ولا يستعمل في الاستقبال أصلا ، لا حقيقة ولا مجازا . الخامس : أنه حقيقة في الاستقبال ، ولا يستعمل في الحال أصلا ، لا حقيقة . ولا مجازا . وأما استعماله فيما يعرض له ، فمجاز وفاقا ( وأمر ) أي والنوع الثالث من الأفعال : فعل الأمر كقم .
( وتجرده ) أي تجرد الفعل ( عن الزمان ) أي عن أحد الأزمنة الثلاثة ( للإنشاء ) كزوجت وقبلت ( عارض ) بوضع العرف ( وقد يلزمه ) أي يلزم الفعل التجرد عن الزمان ( كعسى ) فإنه وضع أولا للماضي ، ولم يستعمل فيه قط ، بل في الإنشاء . قال القاضي عضد الدين : وكذا " حبذا " فإنه لا معنى لها في الأزمنة ( وقد ) يتجرد الفعل عن الزمان و ( لا ) يلزمه التجرد ( كنعم ) وبئس ، فإنهما تارة يستعملان على أصلهما ، كنعم زيد أمس ، وبئس زيد أمس . وتارة يستعملان لا بنظر إلى زمان ، بل لقصد المدح أو الذم مطلقا كنعم زيد ، وبئس زيد . ( وإلا ) أي وإن لم يدل المفرد المستعمل بمعناه بهيئته على أحد الأزمنة ( ف ) هو ( الاسم ) فصبوح ، وغبوق . وأمس ، وغد : وضارب أمس ، وضارب اليوم ، ونحو ذلك : يدل بنفسه على الزمان ، لكن لم يدل وضعا ، بل لعارض .
كاللفظ بالاسم ومدلوله . فإنه لازم كالمكان ، ونحو : صه ، دل على " اسكت " وبواسطته على سكوت مقترن بالاستقبال ، والمضارع إن قيل : مشترك بين الحال والاستقبال فوضعه لأحدهما ، واللبس عند السامع . ( وإن لم يستقل ) اللفظ المفرد بمعناه ، كعن ولن ( ف ) هو ( الحرف ) . والصحيح أنه يحد ( وهو ما دل على معنى في غيره ) ليخرج الاسم والفعل . وقيل : لا يحتاج إلى حد ، لأن ترك العلامة له علامة ورد بأن الحد لتعريف حقيقة المحدود ، ولا تعرف حقيقة بترك تعريفها .
( و ) أما ( المركب ) من حيث هو أيضا : فقسمان ، قسم ( مهمل ) وهو ( موجود ) في اختيار البيضاوي والتاج السبكي . ومثلاه بالهذيان . فإنه لفظ مدلوله لفظ مركب مهمل . وقال الرازي : والأشبه أنه غير موجود ، لأن الغرض [ ص: 35 ] من التركيب الإفادة . وهذا إنما يدل على أن المهمل غير موضوع ، لا على أنه لم يوضع له اسم ، واتفقوا على أن المهمل ( لم تضعه العرب ) قطعا . ( و ) القسم الثاني ( مستعمل وضعته ) العرب خلافا للرازي ، وابن مالك وجمع ، ويدل على صحة وضعه : أن له قوانين في العربية لا يجوز تغييرها ، ومتى غيرت حكم عليها بأنها ليست عربية ، كتقديم المضاف إليه على المضاف ، وإن كان مقدما في غير لغة العرب . وكتقديم الصلة أو معمولها على الموصول ، وغير ذلك مما لا ينحصر فحجروا في التركيب . كما في المفردات . قال القرافي : وهو الصحيح ، وعزاه غيره إلى الجمهور .
والقول الثاني : أن العرب لم تضع المركب ، بدليل أن من يعرف لفظين لا يفتقر عند سماعهما مع إسناد إلى معرف لمعنى الإسناد ، بل يدركه ضرورة [ و ] لأنه لو كان المركب موضوعا لافتقر كل مركب إلى سماع من العرب . كالمفردات . قال البرماوي : والتحقيق أن يقال : إن أريد أنواع المركبات فالحق أنها موضوعة أو جزئيات النوع فالحق المنع ، وينبغي أن ينزل المذهبان على ذلك .
قال في شرح التحرير : ومما يتفرع على الخلاف ما سيأتي أن المجاز هل يكون في التركيب ؟ وأن العلاقة هل تشترط في آحاده ؟ ونحو ذلك ( وهو ) أي المركب الذي وضعته العرب نوعان . أحدهما ( غير جملة ، كمثنى ) لأنه مركب من مفرده ومن علامة التثنية ( وجمع ) لتركبه من المفرد وعلامة الجمع . ( و ) النوع الثاني ( جملة ، وتنقسم ) الجملة ( إلى ما ) أي إلى لفظ ( وضع لإفادة نسبة . وهو ) أي واللفظ الذي وضع لإفادة نسبة هو ( الكلام ) لا غيره ( ولا يتألف ) الكلام ( إلا من اسمين ) نحو زيد قائم ( أو ) من ( اسم وفعل ) نحو قام زيد ; لأن الكلام يتضمن الإسناد ، وهو يقتضي مسندا ومسندا إليه . ولما كان الاسم يصح أن يسند وأن يسند إليه صح تأليف الكلام من جنس الاسم فقط . ولما كان الفعل يصلح أن يسند ، ولا يصلح أن يسند إليه : صح تأليف الكلام منه ، إذا كان مع اسم لا بدونه ، بشرط أن يكون المسند والمسند إليه ( من ) متكلم ( واحد ) قاله الباقلاني والغزالي وابن مفلح وغيرهم .
وقال جمع : يجوز أن يكون من متكلمين فأكثر ، بأن يتفقا على أن يذكر أحدهما الفعل والآخر الفاعل ، أو أحدهما المبتدأ ، والآخر الخبر ، ورد بأن الكلام لا بد له من إسناد ، وهو [ ص: 36 ] لا يكون إلا من واحد . فإن وجد من كل واحد منهما إسناد بالإرادة ، فكل واحد منهما متكلم بكلام مركب ، ولكن حذف بعضه لدلالة الآخر عليه . فلم يوجد كلام من متكلمين ، بل كلامان من اثنين . انتهى . قال في شرح التحرير : وهو التحقيق ، ثم قال : وذكر أصحابنا فرعا مترتبا على ذلك . وهو ما إذا قال رجل : امرأة فلان طالق . فقال الزوج : ثلاثا . قال الشيخ تقي الدين : هي تشبه ما لو قال : لي عليك ألف ، فقال : صحاح . وفيها وجهان . قال : وهذا أصل في الكلام من اثنين ، إن أتى الثاني بالصفة ونحوها : هل يكون متمما للأول ، أم لا ؟ انتهى . ( وحيوان ناطق ، وكاتب ، في زيد كاتب ، لم يفد نسبة ) قال في شرح التحرير : هذا جواب عن سؤال مقدر ، تقديره : أن الحد المذكور للجملة غير مطرد ضرورة صدقه على المركب التقييدي ، وعلى نحو " كاتب " في قولك : زيد كاتب ، والمراد بالمركب التقييدي : المركب من اسمين ، أو من اسم وفعل ، بحيث يكون الثاني قيدا في الأول ، ويقوم مقامهما لفظ مفرد ، مثل حيوان ناطق ، والذي يكتب . فإنه يقوم مقام الأول : الإنسان ، ومقام الثاني : الكاتب ، وإنما قلنا : الحد يصدق عليهما ; لأن الأول لفظ وضع لإفادة نسبة تقييدية ، والثاني : وضع لإفادة نسبة اسم الفاعل إلى الضمير الذي هو فاعله .
والجواب عن السؤال المقدر أن يقال : لا نسلم أن الحد يصدق عليهما ، لأن المراد بإفادة النسبة : إفادة نسبة يحسن السكوت عليها ، وهما لم يوضعا لإفادة نسبة كذلك ، انتهى .
ولما تقدم أن ، وانتهى الكلام على الأول . شرع في الكلام على الثاني ، فقال : ( وإلى غير ) أي غير ما وضع لإفادة نسبة . وذكر مثاله بقوله ( كجملة الشرط ) بدون جزاء ( أو ) جملة ( الجزاء ) بدون شرط ( ونحوهما ) أي ونحو ذلك فيندرج فيه المركبات التقييدية وكاتب في " زيد كاتب " و " غلام زيد " ونحو ذلك ( ويراد بمفرد ) في بعض إطلاقاته ( مقابلها و ) يراد به في بعض ( مقابل مثنى وجمع ، و ) يراد به في بعض ( مقابل مركب ) فيقال : مفرد وجملة ، ومفرد ومثنى ومجموع ، [ ص: 37 ] ومفرد ومركب ، ويكون إطلاقه في الصور الثلاث إطلاقا متعارفا ( و ) يراد ( بكلمة : الكلام ) في الكتاب والسنة ، وكلام الجملة تنقسم إلى ما وضع لإفادة نسبة ، وإلى غير ما وضع لإفادة نسبة العرب .
قال سبحانه وتعالى ( { قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها } ) فسمى ذلك كله كلمة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } فسمى ذلك كله كلمة ، وهو مجاز مهمل في عرف النحاة ، فقيل : هو من تسمية الشيء باسم بعضه ، وقيل : لما ارتبطت أجزاء الكلام بعضها ببعض ، حصل له بذلك وحده ، فشابه به الكلمة . فأطلق عليه كلمة ( و ) يراد به ، أي بالكلام ( الكلمة ) عكس ما قبله ، فيقال : تكلم بكلام ، ومرادهم " بكلمة " قال أصدق كلمة قالها الشاعر : كلمة لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل في قولهم : من أنت زيد ، معناه : من أنت كلامك زيد ( و ) يراد بالكلام أيضا ( الكلم الذي لم يفد ) ومنه حديث سيبويه رضي الله تعالى عنه { البراء أمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام } فيشمل الكلمة الواحدة ، والكلم الذي لم يفد ، والحالف أن لا يتكلم يحنث بمطلق اللفظ ( وتناول الكلام والقول عند الإطلاق للفظ والمعنى جميعا ، كالإنسان ) أي كتناول لفظ الإنسان ( للروح والبدن ) .
قال الشيخ تقي الدين : عند السلف والفقهاء ، والأكثر . وقال كثير من أهل الكلام : مسمى الكلام هو اللفظ ، وأما المعنى : فليس جزأه ، بل مدلوله ، وقاله النحاة : لتعلق صناعتهم باللفظ فقط . وعكس عبد الله بن كلاب وأتباعه ذلك ، فقالوا : مسمى الكلام المعنى فقط ، وقال بعض أصحاب ابن كلاب : الكلام مشترك بين اللفظ والمعنى ، فيسمى اللفظ كلاما حقيقة ، ويسمى المعنى كلاما حقيقة ، وروي عن الأشعري وبعض الكلابية : أن الكلام حقيقة في لفظ الآدميين ، لأن حروف الآدميين تقوم بهم ، مجاز في كلام الله سبحانه وتعالى ، لأن الكلام العربي عندهم لا يقوم به تعالى .
وقال الشيخ تقي الدين : ، فإن كان كلامه هو المعنى فقط . والنظم العربي الذي يدل على المعنى ليس كلام الله [ ص: 38 ] تعالى كان مخلوقا ، خلقه الله تعالى في غيره ، فيكون كلاما لذلك الغير ، لأن الكلام إذا خلق في محل كان كلاما لذلك المحل ، فيكون الكلام العربي ليس كلام الله تعالى ، بل كلام غيره . ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام : أن الكلام العربي الذي بلغه اتفق المسلمون على أن القرآن كلام الله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى أعلم أمته أنه كلام الله تعالى ، لا كلام غيره . انتهى .