وأجاب الجمهور : بأن الحروف المقطعة : إما أسماء السور ، أو أسماء الله تبارك وتعالى ، أو سر الله تعالى في كتابه مما استأثر بعلمه أو غيرها مما هو مذكور في التفاسير ، وبأن رءوس الشياطين مثل في الاستقباح ، على عادة العرب في ضرب الأمثال مما يتخيلونه قبيحا . قال ابن قاضي الجبل : ورءوس الشياطين : استقر قبحها في الأنفس فشبه بها . كقول امرئ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فشبهها بأنياب الأغوال لقبحها المستقر وإن لم يكن لها حقيقة . كذلك ذكره المازري . وقوله { عشرة كاملة } فيه شيئان : الجمع والتأكيد بالكمال . وجواب الجمع : رفع المجاز المتوهم في الواو العاطفة ; إذ يجوز استعمالها بمعنى أو مجازا .كقوله تعالى ( { أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع } ) والتأكيد أفاد عدم النقص في الذات ، كما قال تعالى ( { حولين كاملين } ) أو عدم النقص في الأجر ، دفعا لتوهم النقص بسبب التأخير ، ووصف النفخة بالواحدة إبعاد للمجاز وتقرير لوحدتها بسبب المفرد ; لأن الواحد قد يكون بالجنس . وقوله { إلهين اثنين } قال صاحب المثل السائر : التكرير في المعنى يدل على معنيين مختلفين .
كدلالته على الجنس والعدد ، وهو باب من التكرير مشكل ; لأنه يسبق إلى الذهن أنه تكرير محض يدل على معنى واحد . وليس كذلك . فالفائدة إذا في قوله " { إلهين اثنين } وإله واحد : هي أن الاسم الحامل لمعنى الإفراد والتثنية دال [ ص: 207 ] على الجنسية والعدد المخصوص . فإذا أريدت الدلالة على أن المعنى به واحد منهما ، وكان الذي يساق إليه هو العدد شفع بما يؤكده . وهذا دقيق المسلك . وألحق الرازي في المحصول كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بكلام الله تعالى . فقال : لا يجوز أن يتكلم الله ورسوله بشيء ولا يعني به شيئا ، خلافا للحشوية . وسموا حشوية ; لأنهم كانوا يجلسون في حلقة أمامه . فلما أنكر كلامهم قال : ردوهم إلى حشو الحلقة ، أي جانبها . وقال الحسن البصري : بفتح الشين غلط ، وإنما هو بالإسكان . وكذا قال ابن الصلاح البرماوي : بالسكون . لأنه إما من الحشو ، لأنهم يقولون بوجود الحشو الذي لا معنى له في كلام المعصوم ، أو لقولهم بالتجسيم ونحو ذلك