قال في القواعد الأصولية : العام في الأشخاص عام في الأحوال . هذا المعروف عند العلماء . قال الإمام . رضي الله عنه . في قوله تعالى { أحمد يوصيكم الله في أولادكم } ظاهرها على العموم : أن من وقع عليه اسم ولده فله ما فرض الله تعالى . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن الكتاب : أن الآية إنما قصدت للمسلم لا للكافر . انتهى وخالف في ذلك جمع ، منهم القرافي ، قال - وتابعه ابن قاضي الجبل - والأحوال والمتعلقات فهذه الأربع لا عموم فيها من جهة ثبوت العموم في غيرها ، حتى يوجد لفظ يقتضي العموم ، نحو : لأصومن الأيام ، ولأصلين في جميع البقاع ، ولا عصيت الله في جميع الأحوال ، ولأشتغلن بتحصيل جميع المعلومات . ورد ذلك بأن صيغ العموم وإن كانت عامة في الأشخاص فهي مطلقة في الأزمنة والبقاع ابن دقيق العيد في شرح العمدة . فقال : أولع بعض أهل العصر - وما قرب منه - بأن قالوا : : كانت عامة في ذلك مطلقة في الزمان والمكان والأحوال والمتعلقات ، ثم يقولون : المطلق يكفي في العمل به [ ص: 349 ] صورة واحدة . فلا يكون حجة فيما عداه . وأكثروا من هذا السؤال فيما لا يحصى كثرة من ألفاظ الكتاب والسنة . وصار ذلك ديدنا لهم في الجدال . قال : وهذا عندنا باطل ، بل الواجب أن ما دل على العموم في الذوات - مثلا - يكون دالا على ثبوت الحكم في كل ذات تناولها اللفظ ، ولا يخرج عنها ذات إلا بدليل يخصها . صيغة العموم إذا وردت على الذوات مثلا ، أو على الأفعال
فمن أخرج شيئا من تلك الذوات ، فقد خالف مقتضى العموم - إلى أن قال - مثال ذلك : إذا قال : من دخل داري فأعطه درهما . فتقتضي الصيغة العموم في كل ذات صدق عليها أنها الداخلة . فإذا قال قائل : هو مطلق في الأزمان فأعمل به في الذوات الداخلة الدار في أول النهار مثلا ، ولا أعمل به في غير ذلك الوقت ; لأنه مطلق في الزمان ، وقد عملت به مرة ، فلا يلزم أن أعمل به أخرى لعدم عموم المطلق .
قلنا له : لما دلت الصيغة على العموم في كل ذات دخلت الدار ، ومن جملتها الذوات الداخلة في آخر النهار . فإذا أخرجت بعض تلك الذوات ، فقد أخرجت ما دلت الصيغة على دخوله وهي كل ذات . وقول . رضي الله عنه . " فقدمنا أبي أيوب الأنصاري الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو القبلة ، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل " يدل على أن . انتهى . العام في الأشخاص عام في المكان
وفي المسألة قول ثالث : أنه يعم بطريق الالتزام لا بطريق الوضع ، وجمعوا بين المقالتين ( وصيغته ) أي العموم ( اسم شرط ، و ) اسم ( استفهام كمن في عاقل ) نحو " . قوله تعالى . { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب } ، { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } { من عمل صالحا فلنفسه } وتقول في الاستفهام : من الذي عندك ؟ ( وما في غيره ) أي غير العاقل . نحو قوله تعالى { ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده } { وما عند الله خير للأبرار } وتقول في الاستفهام : ما الذي عندك ؟ واستعمال " من " فيمن يعقل و " ما " فيما لا يعقل شائع . قد ورد في الكتاب والسنة وكلام العرب . وقيل : تكون " ما " لمن يعقل ولمن لا يعقل في الخبر والاستفهام ، والصحيح الأول . قال ابن قاضي الجبل وغيره " من ، وما " في [ ص: 350 ] الاستفهام للعموم . فإذا قلنا : من في الدار ؟ حسن الجواب بواحد . فيقال مثلا : زيد ، وهو مطابق للسؤال . فاستشكل ذلك قوم .
وجوابه : أن العموم إنما هو باعتبار حكم الاستفهام ، لا باعتبار الكائن في الدار . فالاستفهام عم جميع الرتب . فالمستفهم عم بسؤاله كل واحد يتصور كونه في الدار . فالعموم ليس باعتبار الوقوع ، بل باعتبار الاستفهام واشتماله على كل الرتب المتوهمة ( و من ) صيغ العموم أيضا ( أين ، وأنى ، وحيث للمكان ) نحو قوله تعالى { وهو معكم أينما كنتم } وقوله تعالى { أينما تكونوا يدرككم الموت } في الجزاء . وتقول مستفهما : أين زيد ؟ ( ومتى ) لزمان مبهم نحو : متى تقم أقم . ولا يقال : متى طلعت الشمس ؟ ، لأن زمن طلوعها غير مبهم . واستدل لمتى بقول الشاعر :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
وتقول في الاستفهام : متى جاء زيد ؟( وأي للكل ) يعني أن " أي " المضافة تكون للعاقل وغير العاقل . فمن الأول قوله تعالى { لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا } وقوله صلى الله عليه وسلم { } ومن الثاني : قوله تعالى { أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي } وتقول في الاستفهام : أي وقت تخرج ؟ ( وتعم من وأي المضافة إلى الشخص ضميرهما ، فاعلا ) كان ، نحو قوله : من قام منكم ؟ أو أيكم قام فهو حر ( أو ) كان ( مفعولا ) نحو قوله : من أقمته منكم ، أو أيكم أقمته فهو حر . فقاموا في الصورة الأولى ، أو أقامهم في الصورة الثانية . قال ابن العراقي : و " أي " عامة فيما تضاف إليه من الأشخاص والأزمان والأمكنة والأحوال . ومنه : أي امرأة نكحت نفسها . وينبغي تقييدها بالاستفهامية أو الشرطية أو الموصولة ، لتخرج الصفة . نحو : مررت برجل أي رجل ، والحال نحو : مررت بزيد أي رجل .
انتهى . وقال البرماوي : لا عموم في الموصولة ، نحو : يعجبني أيهم هو قائم .
فلا عموم فيها ، بخلاف الشرطية نحو " . قوله تعالى . { أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى } [ ص: 351 ] والاستفهامية نحو " قوله تعالى { أيكم يأتيني بعرشها } ( و ) من صيغ العموم أيضا : الاسم ( الموصول ) سواء كان مفردا كالذي والتي . أو مثنى نحو قوله تعالى { واللذان يأتيانها منكم } أو مجموعا نحو " . قوله تعالى . { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } { واللاتي تخافون نشوزهن } { واللائي يئسن من المحيض } ( و ) من صيغه أيضا ( كل ) وهي أقوى صيغه . ولها بالنسبة إلى إضافتها معان . منها أنها إذا أضيفت إلى نكرة . فهي لشمول أفراده نحو " قوله تعالى { كل نفس ذائقة الموت } ومنها : أنها إذا أضيفت لمعرفة ، وهي جمع أو ما في معناه . فهي لاستغراق أفراده أيضا ، نحو كل الرجال وكل النساء على وجل إلا من أمنه الله تعالى . وفي الحديث { } ومنها : أنها إذا أضيفت لمعرفة مفرد ، فهي لاستغراق أجزائه أيضا ، نحو كل الجارية حسن ، أو كل زيد جميل . إذا علم ذلك فمادتها تقتضي الاستغراق والشمول كالإكليل لإحاطته بالرأس ، والكلالة لإحاطتها بالوالد والولد . فلهذا كانت أصرح صيغ العموم لشمولها العاقل وغيره ، المذكر والمؤنث ، المفرد والمثنى والجمع ، وسواء بقيت على إضافتها كما مثلنا ، أو حذف المضاف إليه . نحو قوله تعالى . { كل الناس يغدو ، فبائع نفسه ، فمعتقها أو موبقها كل آمن بالله } قال القاضي عبد الوهاب : ليس في كلام العرب كلمة أعم منها تفيد العموم مبتدأة وتابعة لتأكيد العام . نحو جاء القوم كلهم . وهنا : فوائد . منها : أن ما سبق من كونها تستغرق الأفراد فيما إذا أضيفت لجمع معرف ، كما لو أضيفت إلى نكرة . فتكون من الكلية ، كقوله صلى الله عليه وسلم حكاية عن ربه عز وجل { } - الحديث وهو قول الأكثر . وذهب بعضهم إلى أنه من الكل المجموعي ، لا من الكلية . ومنها : إذا دخلت " كل " على جمع معرف بأل ، وقلنا بعمومها . فهل المفيد للعموم الألف واللام و " كل " تأكيد ، أو اللام لبيان الحقيقة و " كل " لتأسيس إفادة العموم ؟ والثاني : أظهر ; لأن " كلا " إنما تكون مؤكدة إذا كانت تابعة . وقد يقال : اللام أفادت عموم مراتب ما دخلت عليه ، [ ص: 352 ] و " كل " أفادت استغراق الأفراد . فنحو : كل الرجال ، تفيد فيها الألف واللام عموم مراتب جمع الرجل ، وكل استغراق الآحاد . ولهذا قال يا عبادي : كلكم جائع إلا من أطعمته ابن السراج : إن " كل " لا تدخل في المفرد والمعرف باللام إذا أريد بكل منهما العموم . انتهى .
ولهذا منع دخول أل على " كل " وعيب قول بعض النحاة : بدل الكل من الكل . ومنها : أنه ليس من دخولها على المفرد والمعرف . نحو قوله تعالى { كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل } وقوله صلى الله عليه وسلم { } لأن الظاهر أنها مما هو في معنى الجمع المعرف ، حتى تكون لاستغراق الأفراد لا الأجزاء . ومنها : أن محل عمومها إذا لم يدخل عليها نفي متقدم عليها نحو لم يقم كل الرجال . فإنها حينئذ للمجموع ، والنفي وارد عليه . وسميت سلب العموم ، بخلاف ما لو تأخر عنها . نحو : كل إنسان لم يقم . فإنها حينئذ لاستغراق النفي في كل فرد ، ويسمى عموم السلب . وهذه القاعدة متفق عليها عند أرباب البيان . وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث كل الطلاق واقع إلا طلاق المعتوه ذي اليدين { } جوابا لقوله { كل ذلك لم يكن } أي لم يكن كل من الأمرين ، لكن بحسب ظنه صلى الله عليه وسلم . أنسيت أم قصرت الصلاة ؟
فلذلك صح أن يكون جوابا للاستفهام عن أي الأمرين وقع ، ولو كان لنفي المجموع لم يكن مطابقا للسؤال ، ولا لقول ذي اليدين في بعض الروايات { } فإن السلب الكلي يقتضيه الإيجاب الجزئي . وأورد على قولهم : . تقدم النفي لسلب العموم . نحو قوله تعالى { قد كان بعض ذلك إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } فينبغي أن تقيد القاعدة بأن لا ينتقض النفي . فإن انتقض كانت لعموم السلب ، وقد يقال : انتقاض النفي قرينة إرادة عموم السلب . قاله البرماوي ( و ) من صيغ العموم أيضا ( جميع ) وهي مثل كل ، إلا أنها لا تضاف إلا إلى معرفة ، فلا يقال : جميع رجل ، وتقول جميع الناس ، وجميع العبيد ، ودلالتها على كل فرد فرد بطريق الظهور ، بخلاف كل فإنها بطريق النصوصية . وفرق الحنفية بينهما بأن كلا تعم على جهة الانفراد ، وجميع [ ص: 353 ] على جهة الاجتماع . ( ونحوهما ) أي ومن صيغ العموم أيضا : كل ما كان نحو كل وجميع ، مثل أجمع وأجمعين ( و ) كذلك ( معشر ومعاشر وعامة وكافة وقاطبة ) قال الله سبحانه وتعالى { لأغوينهم أجمعين } وقال تعالى { يا معشر الجن والإنس } وقال تعالى { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة } وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { } وقالت إنا معاشر الأنبياء لا نورث ، ما . تركناه صدقة عائشة رضي الله عنها " لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم : ارتدت العرب قاطبة " قال : أي جميعهم ، لكن معشر ومعاشر : لا يكونان إلا مضافين ، بخلاف قاطبة وعامة وكافة فإنها لا تضاف ( و ) من صيغ العموم أيضا ( جمع مطلقا ) أي سواء كان لمذكر أو لمؤنث ، وسواء كان سالما أو مكسرا ، وسواء كان جمع قلة أو كثرة ( معرف ) ذلك الجمع ( بلام أو إضافة ) مثال السالم من المذكر والمؤنث المعرف باللام : قوله تعالى { ابن الأثير إن المسلمين والمسلمات } ومثال جمع الكثرة من المذكر والمؤنث الرجال والصواحب .
وجمع القلة : الأفلس والأكباد ، ومثال الجمع المعرف بالإضافة قوله تعالى " { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وقوله تعالى { حرمت عليكم أمهاتكم } وقيل : إن الجمع المذكر لا يعم ، فلا يفيد الاستغراق . واستدل للأول الذي عليه أكثر العلماء والصحيح عنهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم في { } رواه السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين في التشهد . فإنكم إذا قلتم ذلك : فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض البخاري . وعلى هذا الأصح : أن أفراده آحاد في الإثبات وغيره . وعليه أئمة التفسير في استعمال القرآن نحو قوله تعالى { ومسلم والله يحب المحسنين } أي كل محسن وقوله تعالى { فلا تطع المكذبين } أي كل واحد منهم . ويؤيده صحة استثناء الواحد منه ، نحو جاء الرجال إلا زيدا . وقيل : إن أفراده جموع ، وكونه في الآيات آحاد بدلالة القرينة ( و ) من صيغ العموم أيضا ( اسم جنس معرف تعريف جنس ) وهو ما لا واحد له من لفظه . كالناس والحيوان والماء والتراب ونحوها ، حملا [ ص: 354 ] للتعريف على فائدة لم تكن ، وهو تعريف جميع الجنس ; لأن الظاهر كالجمع ، والاستثناء منه نحو قوله تعالى { إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا } و ( لا ) يعم ( مع قرينة عهد ) اتفاقا . وذلك كسبق تنكير نحو قوله تعالى { كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول } لأنه يصرفه إلى ذلك فلا يعم إذا عرف . ونحو قوله تعالى { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا } ونحو قوله تعالى { وليس الذكر كالأنثى } ( ويعم مع جهلها ) أي جهل قرينة العهد عندنا ، وعند أكثر العلماء ; لأن تقييد العموم بانتفاء العهد يقتضي أن الأصل فيه الاستغراق . ولهذا احتاج العهد إلى قرينة فيما احتمل العهد والاستغراق ، لانتفاء القرينة فمحمول على الأصل ، وهو الاستغراق لعموم فائدته . وقيل : إنه يحمل على العهد . وقيل : إنه مجمل لكونه محتملا احتمالا على السواء ( وإن عارض الاستغراق عرف أو احتمال تعريف جنس لم يعم ) ومن أمثلة ذلك : لو قال الطلاق يلزمني لا أفعل كذا ، وحنث ، فإنه لا يقع عليه إلا واحدة : لأن أهل العرف لا يعتقدونه ثلاثا ، ولا يعلمون أن الألف واللام في الأجناس . للاستغراق . ولهذا ينكر أحدهم أن يكون طلق ثلاثا ، ولا يعتقد أنه طلق إلا واحدة . فمقتضى اللفظ في ظنهم واحدة ، فلا يريدون إلا ما يعتقدونه مقتضى لفظهم . فيصير كأنهم نووا واحدة ، ولأن الألف واللام في أسماء الأجناس تستعمل لغير الاستغراق كثيرا . كقولهم : ومن أكره على الطلاق ، وإذا عقل الصبي الطلاق ، وأشباه هذا مما يراد به الجنس ولا يفهم منه الاستغراق . إذا تقرر هذا : فلا يحمل على التعميم إلا بنية صارفة إليه . قاله في المغني . وهذا الأصح من الروايتين عن الإمام رضي الله تعالى عنه والثانية : أنه يعم فتطلق ثلاثا . ونحو : والله لا أشتري العبيد يحنث بواحد . قاله أحمد ابن مفلح وغيره ( و ) من صيغ العموم أيضا ( مفرد محلى بلام غير عهدية لفظا ) كالسارق والزاني والمؤمن والفاسق والعبد والحر عندنا وعند أكثر العلماء . قال . رضي الله عنه . في الرسالة : الزانية والزاني ونحوه من العام الذي خص ، وأيضا لم يزل العلماء يستدلون بآية السرقة وآية الزنا من غير نكير ولوقوع الاستثناء منه ، وهو معيار العموم نحو قوله تعالى . " [ ص: 355 ] { الشافعي إن الإنسان خلق هلوعا } - الآية . وأيضا فيوصف بصيغة العموم . كما قال تعالى { أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء } وهذا هو الصحيح . وقيل : إنه يفيد الجنس لا الاستغراق فلا يعم . وقيل : هو مجمل ، فهو محتمل للأمرين على السواء . وقيل : إنه يفيد العموم إن كان مما يتميز واحده بالتاء ، ولكن لا يتشخص له واحد ، ولا يتعدد . كالذهب والعسل ، بخلاف ما يتشخص مدلوله . كالدينار والدرهم والرجل . وقيل بالفرق فيما إذا دخلت عليه أل بين ما فيه تاء التأنيث الدالة على الوحدة كضربة فهو محتمل للعموم والجنس ، بخلاف ما لا هاء فيه كرجل ; أو فيه وبنيت عليه الكلمة : كصلاة وزكاة . فالمقترن ب ( أل ) من ذلك عام . وعلى الأول - الذي هو الصحيح - أن عمومه من جهة اللفظ . وقيل : من جهة المعنى . وقال ابن العراقي : عموم المفرد الذي دخلت عليه أل غير عموم الجمع الذي دخلت عليه أل . فالأول : يعم المفردات . والثاني : يعم الجموع ; لأن أل تعم أفراد ما دخلت عليه .
وقد دخلت على جمع . وفائدة هذا : تعذر الاستدلال بالجمع على مفرد في حالة النفي والنهي ; لأن العموم وارد على أفراد الجموع ، والواحد ليس بجمع ( و ) من صيغ العموم أيضا ( مفرد مضاف لمعرفة ) كعبدك وامرأتك عند أحمد ، تبعا ومالك لعلي رضي الله عنهم . وحكاه بعض الشافعية عن الأكثر . ومنه قوله تعالى { وابن عباس وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } ( و ) من صيغه أيضا ( نكرة في نفي ، و ) كذا في ( نهي ) لأنه في معنى النفي . صرح به أهل العربية ، ولا فرق في ذلك بين أن يباشر العامل النكرة ، نحو : ما أحد قائما ، أو يباشر العامل فيها .
نحو : ما قام أحد . أو كانت النكرة في سياق النفي ولم يباشرها ، نحو ليس في الدار رجل . وخالف بعضهم في أنها في سياق النفي ليست للعموم . وهو . مخصوم بقوله تعالى { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } ردا على من قال { ما أنزل الله على بشر من شيء } لأنه لو لم يكن عاما لما حصل به الرد . ومن أمثلة النكرة في سياق النهي نحو : قوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله } وقوله تعالى { ولا تطغوا فيه } [ ص: 356 ] { ولا تقربوا الزنا } { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } إذا علمت ذلك : فإن عموم النكرة في سياق النفي والنهي يكون ( وضعا ) بمعنى أن اللفظ وضع لسلب كل فرد من الأفراد بالمطابقة . وقيل : إن عمومها لزوما ، بمعنى أن نفي فرد منهم يقتضي نفي جميع الأفراد ضرورة . والأول : اختيار القرافي ومن وافقه . والثاني : اختيار السبكي ومن وافقه . ويؤيد الأول : صحة الاستثناء في هذه الصيغة بالاتفاق . فدل على تناولها لكل فرد .