فصل في الكناية والتعريض والبحث فيهما من وظيفة علماء المعاني والبيان ، لكن لما اختلف في [ ص: 63 ] ؟ . أو منها حقيقة ومنها مجاز : ذكرت ليعرف ذلك ، وذكر معها التعريض استطرادا . ثم ( الكناية حقيقة إن استعمل اللفظ في معناه ) الموضوع له أو لا ( وأريد لازم المعنى ) الموضوع له ، كقولهم " كثير الرماد " يكنون به عن كرمه . فكثرة الرماد مستعمل في معناه الحقيقي ، ولكن أريد به لازمه ، وهو الكرم ، وإن كان بواسطة لازم آخر ، لأن لازم كثرة الرماد كثرة الطبخ ، ولازم كثرة الطبخ كثرة الضيفان ، ولازم كثرة الضيفان الكرم ، وكل ذلك عادة . فالدلالة على المعنى الأصلي بالوضع ، وعلى اللازم بانتقال الذهن من الملزوم إلى اللازم ، ومثله قولهم : " طويل النجاد " كناية عن طول القامة ، لأن نجاد الطويل يكون طويلا بحسب العادة ، وعلى هذا فهو حقيقة ، لأنه استعمل في معناه ، وإن أريد به اللازم فلا تنافي بينهما . الكناية ، هل هي حقيقة أو مجاز
( ومجاز ) يعني وتكون الكناية مجازا ( إن لم يرد المعنى ) الحقيقي وعبر بالملزوم ( عن اللازم ) بأن يطلق المتكلم كثرة الرماد على اللازم ، وهو الكرم وطول النجاد على اللازم ، وهو طول القامة ، من غير ملاحظة الحقيقة أصلا فهذا يكون مجازا ، لأنه استعمل في غير معناه . والعلاقة فيه : إطلاق الملزوم على اللازم ، وما ذكرناه : هو أحد الأقوال في الكناية ، وهو الذي قدمه في التحرير والقول الثاني : أن لفظ الكناية حقيقة مطلقا . قال بعضهم : وهو الأصح .
قال الكوراني : الجمهور أنها من الحقيقة ، وتبعهم ابن عبد السلام في كتاب المجاز . فقال : والظاهر أن الكناية ليست من المجاز ; لأنها وإن استعملت [ اللفظ ] فيما وضع له ، لكن أريد به الدلالة على غيره . كدليل الخطاب في قوله تعالى ( { فلا تقل لهما أف } ) وكذا نهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء والعرجاء .
والقول الثالث : أنه مجاز مطلقا ، نظرا إلى المراد منه ، وهو مقتضى قول صاحب الكشاف عند قوله تعالى ( { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم } ) حيث فسر الكناية بأن يذكر الشيء بغير لفظه الموضوع له . [ ص: 64 ] والقول الرابع : أنها ليست بحقيقة ولا مجاز . وهو قول السكاكي وتبعه في التخليص ( لفظ مستعمل في معناه مع التلويح بغيره ) أي بغير ذلك المعنى المستعمل فيه ، مأخوذ من العرض - بالضم - وهو الجانب . والتعريض حقيقة ، وهو
فكأن اللفظ واقع في جانب عن المعنى الذي لوح به ، ومن ذلك قول سيدنا إبراهيم صلى الله عليه وسلم وعلى سيدنا محمد ( { بل فعله كبيرهم هذا } ) [ أي ] غضب أن عبدت هذه الأصنام معه فكسرها ، وإنما قصده التلويح أن الله سبحانه وتعالى يغضب أن يعبد غيره ممن ليس بإله من طريق الأولى . وبذلك يعلم أن اللفظ - وإن لم يطابق معناه الحقيقي في الخارج - لا يكون كذبا إذا كان المراد به التوصل إلى غيره بكناية كما سبق ، وتعريض كما هنا ، وإن سمي كذبا فمجاز باعتبار الصورة ، كما جاء [ في الحديث الشريف ] { إبراهيم إلا ثلاث كذبات } المراد : صورة ذلك ، وهو في نفسه حق وصدق . لم يكذب