ومنه قول الفرزدق
مشتقة من رسول الله نبعته
وحكي . أحدها - وهو الصحيح - أن اللفظ ينقسم إلى مشتق وجامد ، وهو قول في الاشتقاق في اللغة ثلاثة أقوال الخليل ، وسيبويه والأصمعي ، وأبي عبيد وقطرب ، وعليه العمل .والقول الثاني : أن الألفاظ كلها جامدة موضوعة ، وبه قال نفطويه من الظاهرية . واسمه محمد بن إبراهيم . والقول الثالث : أن الألفاظ كلها مشتقة ، وهو قول ، الزجاج . [ ص: 65 ] وغيرهما ، حتى قال وابن درستويه : الاشتقاق يقع في الحروف فإن " نعم " حرف جواب ، والنعم والنعيم والنعماء ونحوها مشتقة منه . وسيأتي في المتن انقسامه إلى أصغر وأكبر وأوسط . ابن جني
إذا علمت ذلك : فحد الأصغر ( رد لفظ إلى آخر ) فدخل الاسم والفعل ( لموافقته ) أي المردود ( له ) أي للمردود إليه ( في الحروف الأصلية ) سواء كانت موجودة أو مقدرة ، ليدخل الأمر من نحو : الأكل والخوف والوقاية ( و ) لوجود ( مناسبته ) أي مناسبة المشتق للمشتق منه ( في المعنى ) احترازا من مثل اللحم والملح والحلم ، فإن كلا منها يوافق الآخرين في حروفه الأصلية . ومع ذلك فلا اشتقاق بينها ، لانتفاء المناسبة في المعنى لاختلاف مدلولاتها ثم اعلم أن . الأول : المشتق . والثاني : المشتق منه . للاشتقاق أربعة أركان
والثالث : الموافقة في الحروف الأصلية . والرابع : المناسبة في المعنى مع التغيير ، لأنه لو لم يحصل تغيير لم يصدق كون المشتق غير المشتق منه . وهذا هو المراد بقوله ( ولا بد من تغيير ) وهو خمسة عشر نوعا ; لأنه إما بزيادة حرف ، أو حركة .
أو هما معا ، أو نقصان حرف ، أو حركة ، أو هما معا ، أو زيادة حرف ونقصانه ، أو زيادة حركة ونقصانها ، أو زيادة حرف ونقصان حركة . أو زيادة حركة ونقصان حرف ، عكس الذي قبله ، أو زيادة حرف مع زيادة حركة ونقصانها ، أو زيادة حركة مع زيادة حرف ونقصانه ، عكس الذي قبله ، أو نقصان حرف مع زيادة حركة ونقصانها ، أو نقصان حركة مع زيادة حرف ونقصانه ، [ أو زيادة حرف وحركة معا مع نقصان حرف وحركة معا ] ، وذلك : لأن التغيير إما تغيير واحد ، أو تغييران ، أو ثلاثة ، أو أربعة .
فالتغيير الواحد : في أربعة أماكن . الأول : زيادة حرف نحو : كاذب من الكذب ، زيدت الألف بعد الكاف ، والثاني : زيادة حركة نحو : نصر ماض .
مأخذه من النصر ، والثالث : نقصان حرف ، كصهل من الصهيل . نقصت الياء والرابع : نقصان الحركة ، كسفر - بسكون الفاء - جمع مسافر ، من سفر . [ ص: 66 ] وأما التغييران : فستة أنواع الأول : زيادة حرف ونقصانه كصاهل من الصهيل ، زيدت الألف ونقص الياء ، الثاني : زيادة الحركة والحرف ، كضارب من الضرب . زيدت الألف وحركت الراء ، الثالث : نقصان الحركة والحرف ، كغلي من الغليان . نقص الألف والنون ونقصت فتحة الياء . الرابع : زيادة الحركة ونقصانها ، نحو : حذر ، اسم فاعل من الحذر - بفتح الذال المعجمة - حذفت فتحة الذال وزيدت كسرتها الخامس : زيادة الحرف ونقصان الحركة ، كعاد - بتشديد الدال - اسم فاعل من العدد ، زيدت الألف ونقصت حركة الدال . السادس : زيادة حركة ونقصان حرف ، كرجع من الرجعى .
وأما التغييرات الثلاثة : ففي أربعة أنواع : الأول : زيادة الحرف مع زيادة الحركة ونقصانها . كموعد من الوعد . زيدت الميم وكسرت العين ونقص منه فتح الواو . الثاني : زيادة الحركة مع زيادة الحرف ونقصانه ، كمكمل اسم فاعل أو مفعول من الكمال ، زيدت فيه الميم وضمتها ، ونقصت الألف ، الثالث : نقصان حرف مع زيادة حركة ونقصانها ، كقنط . اسم فاعل من القنوط .
الرابع : نقصان الحركة مع زيادة الحرف ونقصانه ككال - بتشديد اللام - اسم فاعل من الكلال ، نقصت حركة اللام الأولى للإدغام . ونقصت الألف التي بين اللامين وزيدت الألف قبل اللامين .
وأما التغييرات الأربعة : ففي موضع واحد ، وهو زيادة الحرف والحركة معا ونقصانهما معا ، ككامل من الكمال ، ومثلوه أيضا ب " ارم " - أمر - من الرمي ، والله أعلم .
ثم التغيير تارة يكون ظاهرا - كما تقدم - وتارة يكون مقدرا ، وهو المشار إليه بقوله ( ولو ) أي ولو كان التغيير ( تقديرا ) وذلك : كفلك وجنب ، مفردا وجمعا ، فإذا أريد الجمع في الفلك يؤنث ، وإذا أريد الواحد يذكر فالواحد منه ، كقوله تعالى ( { إذ أبق إلى الفلك المشحون } ) والجمع كقوله تعالى ( { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم } ) وطلب طلبا ، وهرب هربا وجلب جلبا ونحوها . فالتغيير [ ص: 67 ] حاصل ، ولكنه مقدر فإن قدر زوال النون التي في " جنب " حال إطلاقه على المفرد في قولك : رجل جنب ، وقدر الإتيان بغيرها حال إطلاقه على الجمع في قوله تعالى ( { سيبويه وإن كنتم جنبا فاطهروا } ) وأن ضمة النون في المفرد غير ضمة النون التي في الجمع . تقديرا ( و ) اللفظ ( المشتق فرع وافق أصلا ) والأصل هنا هو اللفظ المشتق منه الفرع ، وكانت الموافقة ( بحروفه الأصول ومعناه ) فقولنا " بحروفه الأصول " لتخرج الكلمات التي توافق أصلا بمعناه ، دون حروفه كالحبس والمنع . وقولنا " ومعناه " ليحترز به عن مثل الذهب ، فإنه يوافق أصلا . وهو الذهاب في حروفه الأصول ، ولكن غير موافق له في معناه .
إذا علمت ذلك . ( كنصر من النصر ) وهذا الذي ينصرف إليه إطلاق الاشتقاق ، من غير قيد ( ففي ) الاشتقاق ( الأصغر ، وهو المحدود ) يشترط كون المشتق والمشتق منه ( يتفقان في الحروف والترتيب ) دون الترتيب ، كجبذ من الجذب ، فإن الباء مقدمة على الذال في جبذ ، مؤخرة عن الذال في الجذب . ( و ) يشترط ( في ) الاشتقاق ( الأوسط ) كون المشتق والمشتق منه يتفقان ( في الحروف )
( أو الشفة ، كنعق وثلم من النهيق والثلب ) فصورة اتفاقهما في مخرج حروف الحلق . نعق من النهيق . فإن الهاء والعين من حروف الحلق ، وصورة اتفاقهما في مخرج حروف الشفة ثلم من الثلب ، فإن الميم والباء من حروف الشفة ، والأكثر لم يثبتوا الاشتقاق الأكبر . قال ( و ) يكفي ( في ) الاشتقاق ( الأكبر ) أن يتفق المشتق والمشتق منه ( في مخرج حروف الحلق ) أبو حيان : ولم يقل به من النحاة إلا أبو الفتح .
والصحيح : أنه غير معول عليه لعدم اطراده ( ويطرد ) الاشتقاق فيما هو ( كاسم الفاعل ) كضارب ( ونحوه ) كاسم المفعول كمضروب . والصفة المشبهة ، كالحسن الوجه ، وأفعل التفضيل : كأكبر ، واسم المكان : كملعب ، واسم الزمان : كالموسم ، واسم الآلة : كالميزان ( وقد يختص ) فلا يطرد ( كالقارورة ) فإنها مختصة بالزجاجة ، وإن كانت مأخوذة من القر في الشيء ، ولم يطردوا ذلك إلى كل ما يقر فيه الشيء من خشب أو خزف أو غير ذلك . وكالدبران منزلة للقمر ، وإن كان [ ص: 68 ] من الدبور ، فلا يطلق على كل ما هو موصوف بالدبور ، بل يختص بمجموع خمسة كواكب من الثور ، وهو المنزل الرابع من منازل القمر المعاقب للثريا .
وكذلك العيوق والسماك قاله العضد . وكأن عدم الاطراد ، لكون التسمية لا لهذا المعنى فقط ، بل لمصاحبته له ، وفرق بين تسمية العين لوجود المشتق منه فيه ، وهو الاطرادي ، أو لوجوده فيه . وهو ما لا يطرد .