، وهو حصر الأوصاف ) في الأصل المقيس عليه ( وإبطال ما لا يصلح ) بدليل ( فيتعين ) أن يكون ( الباقي علة ) والسبر في اللغة : هو الاختبار ، فالتسمية بمجموع الاسمين واضحة . وقد يقتصر على " السبر " فقط . والتقسيم مقدم في الوجود عليه ; لأنه تعداد الأوصاف التي يتوهم صلاحيتها للتعليل ثم يسبرها ، أي يختبرها ليميز الصالح للتعليل من غيره ، فكان الأولى أن يقال : التقسيم والسبر ; لأن الواو - وإن لم تدل على الترتيب - لكن البداءة بالمقدم أجود . وأجيب عنه . بأن السبر - وإن تأخر عن التقسيم - فهو متقدم عليه أيضا ; لأنه أولا يسبر المحل ، هل فيه أوصاف أم لا ؟ ثم يقسم ، ثم يسبر ثانيا ، فقدم " السبر " في اللفظ باعتبار السبر الأول . وأجيب أيضا بأن المؤثر في معرفة العلية إنما هو السبر ، وأما التقسيم : فإنما هو لاحتياج السبر إلى شيء يسبر . وربما سمي ب " التقسيم الحاصر " ( ويكفي المناظر ) في بيان الحصر إذا منع أن يقول ( بحثت فلم أجد غيره ) أي غير هذا الوصف ( أو ) أن يقول ( الأصل عدمه ) أي عدم غير هذا الوصف . ويقبل قوله ; لأنه ثقة أهل للنظر ; ولأن الأوصاف العقلية والشرعية لو كانت لما خفيت على الباحث عنها ، مثاله : أن يقول في قياس الذرة على البر في الربوية : بحثت عن أوصاف البر ، فما وجدت ما يصلح علة للربوية في بادئ الرأي ، إلا الطعم أو القوت أو الكيل ، لكن الطعم والقوت لا يصلح لذلك عند التأمل ، فيتعين الكيل ، أو يقول : الأصل عدم ما سواها . فإن بذلك يحصل الظن المقصود ( فإن بين المعترض وصفا آخر ) غير ما ادعاه المستدل ( لزم ) المستدل ( إبطاله ) إذ لا يثبت الحصر الذي قد ادعاه بدونه . المسلك ( الثالث ) من مسالك العلة وهي الطرق الدالة على العلية ( السبر والتقسيم
( ولا يلزم المعترض ) بإبداء وصف زائد على الأوصاف التي ذكرها المستدل ( بيان صلاحيته ) أي الوصف الذي ذكره ( للتعليل ) وعلى المستدل إبطال صلاحيته للتعليل ; لأن دليله لا يتم إلا بذلك ( ولا ينقطع المستدل إلا بعجزه عن إبطاله ) أي إبطال ما ذكره المعترض من [ ص: 517 ] الوصف ، لا بمجرد إبداء المعترض الوصف ، وإلا كان كل منع قطعا ، والاتفاق على خلافه . فإذا أبطل المستدل ما ذكره المعترض من الوصف بطل قاله العضد ، والحق أنه إذا أبطله فقد سلم حصره ، وكان له أن يقول : هذا مما علمت أنه لا يصلح ، فلم أدخله في حصري . وأيضا فإنه لم يدع الحصر قطعا . بل قال : إني ما وجدت ، أو أظن العدم ، وهو فيه صادق ، فيكون كالمجتهد إذا ظهر له ما كان خافيا [ عليه ] ، وإنه غير مستنكر . انتهى .
( والمجتهد يعمل بظنه ) يعني أن المستدل إذا كان مجتهدا فإنه يجب عليه العمل بظنه ، فيرجع إليه ، ويكون مؤاخذا بما اقتضاه ظنه فيلزمه الأخذ به ، ولا يكابر نفسه ( ومتى كان الحصر ) أي حصر الأوصاف من جهة المستدل ( والإبطال ) من جهة المعترض ( قطعيا فالتعليل ) بذلك ( قطعي ) بلا خلاف ، ولكن هذا قليل في الشرعيات ( وإلا ) أي وإن لم يكن الحصر والإبطال قطعيا ، بل كان أحدهما ظنيا ، أو كلاهما وهو الأغلب ( ف ) التعليل ( ظني ) أي لا يفيد إلا الظن ، ويعمل به فيما لا يتعبد فيه بالقطع من العقائد ونحوها ( ومن من دعوى وصف يصلح للتعليل غير ما ذكره المستدل : بحذفه عنه ( الإلغاء ) ، ( وهو ) أي الإلغاء ( إثبات الحكم ب ) الوصف ( الباقي فقط في صورة ، ولم يثبت دونه ، فيظهر استقلاله ) وحده . ويعلم أن المحذوف لا أثر له . وقال طرق الحذف ) يعني أن من طرق إبطال المستدل لما يدعيه المعترض الآمدي : لا يكفي ذلك في استقلاله بدون طريق من طرق إثبات العلة ، وإلا لكفى في أصل القياس ، فإن ثبت في صورة الإلغاء بالسبر فالأصل الأول تطويل بلا فائدة .
وإن بينه بطريق آخر ، لزم محذور آخر ، وهو الانتقال ( ونفي العكس كالإلغاء لا عينه ) يعني : أن نفي العكس يشبه الإلغاء . وليس بإلغاء ; لأنه لم يقصد في الإلغاء لو كان المخذوف علة لانتفى عند انتفائه ، بل قصد : لو أن الباقي جزء علة لما استقل ( ومنها ) أي ومن طرق الحذف ( طرد المحذوف مطلقا ) أي في جميع أحكام الشرع ( كطول وقصر ) فإنهما لم يعتبرا في القصاص ، ولا الكفارة ، ولا الإرث ، ولا العتق ، ولا التقديم في الصلاة ولا غيرها ، فلا يعلل بهما حكم أصلا ( أو ) ليس [ ص: 518 ] مطلقا ، ولكن ( بالنسبة إلى ذلك الحكم ) وإن اعتبر في غيره ( كالذكورية في ) أحكام ( العتق ) إذ هي ملغاة فيه ، مع كونها معتبرة في الشهادة والقضاء وولاية النكاح والإرث ، فلا يعلل بها شيء من أحكام العتق ( ومنها ) أي ومن طرق الحذف ( عدم ظهور مناسبة ) بأن لا يظهر للوصف المحذوف وجه مناسبة ( ويكفي المناظر ) أن يقول ( بحثت ) فلم أجد بين الوصف والحكم مناسبة ( فلو قال المعترض : الباقي كذلك ) يعني أن الوصف الباقي أيضا ليس بينه وبين الحكم مناسبة .
( فإن كان ) قوله ذلك ( بعد تسليم مناسبته ) أي تسليم مناسبة ما ذكره المستدل ( لم يقبل ) منه ذلك ( وقبله ) أي وإن كان قوله ذلك قبل تسليم مناسبة الوصف الذي ذكره المستدل ، ف ( سبر المستدل أرجح ) من سبر المعترض ; لأن سبر المستدل موافق لتعدية الحكم ، وسبر المعترض ، وهو قوله : إني بحثت في الوصف المستبقى فلم أجد فيه مناسبة قاصر . والعلة المتعدية أرجح من القاصرة ( وليس له ) أي للمستدل ( بيان المناسبة ) بين الوصف الباقي والحكم ; لأنه حينئذ انتقال من السبر إلى المناسبة أي سواء كان من ناظر أو مناظر ولو أفسد حنبلي علة شافعي ) في الربا أو غيره ( لم يدل على صحة علته ) أي علة الحنبلي ، كتعليل بعض الفقهاء بغير العلة التي علل بها الشافعي والحنبلي ، وليس إجماعهما دليلا على من خالفهما ( لكنه ) أي لكن إفساد علة الشافعي الذي هو الخصم ( طريق لإبطال مذهب خصمه ، وإلزام له ) أي للشافعي ( صحة علته ) أي علة الحنبلي ( ولكل حكم علة تفضلا ) عند الفقهاء ، ووجوبا عند ( والسبر الظني حجة مطلقا المعتزلة ; لأن وتخريج المناط وغيرهما كون الحكم لا بد له من علة لقوله تعالى { الدليل الدال على جواز العمل بالسبر وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } والظاهر منه : تعميم الرحمة في جميع ما جاء به ، وحينئذ لم تخل الأحكام عن فائدة ، وهي العلة .
قال : كلها معللة وتخفى نادرا . أبو الخطاب
قال : التعليل الأصل ، وترك نادرا ; لأن تعقل العلة أقرب إلى القبول من التعبد ; ولأنه المألوف عرفا . والأصل موافقة الشرع له ، فيحمل ما نحن فيه [ ص: 519 ] على الغالب ( ويجب العمل بالظن فيها ) أي في علل الأحكام ( إجماعا ) وقيل : الأصل عدم التعليل ; لأن الموجب الصيغة ، وبالتعليل ينتقل حكمه إلى معناه ، فهو كالمجاز من الحقيقة . القاضي