أي منع المعترض حكم أصل المستدل . كأن يقول حنبلي : الخل مائع لا يرفع الحدث ، [ ص: 544 ] فلا يزيل النجاسة كالدهن . فيقول حنفي : لا أسلم الحكم في الأصل ، فإن الدهن عندي يزيل النجاسة ، فهل يسمع منه منع حكم الأصل أم لا ؟ فالجمهور قالوا ( يسمع ) وقال الرابع من القوادح ( منع حكم الأصل ) : لا يسمع أصلا ( و ) على قول الجمهور ( لا ينقطع ) المستدل ( بمجرده ) أي بمجرد منع حكم الأصل عند أصحابنا والأكثر ; لأنه منع مقدمة من مقدمات القياس . ( فيدل عليه ) يعني أن للمستدل أن يدل على إثبات أصل يقيس عليه ( كمنع العلة ، أو وجودها ) يعني كما لو اعترض عليه بمنع العلة أو وجودها ، فإنه لا ينقطع بذلك . وله أن يدل عليه ، وقيل : ينقطع . وقيل : لا ينقطع ، إلا إذا كان المنع ظاهرا يعرفه أكثر الفقهاء ( ف ) على الأول ( إن دل ) المستدل على إثبات حكم الأصل ( لم ينقطع المعترض ) على أصح القولين ( فله ) أي للمعترض ( الاعتراض ) على ذلك الدليل الذي دل به المستدل على إثبات حكم الأصل بطريقه ، إذ لا يلزم من وجود صورة دليل صحته ( وليس ) اعتراضه على دليل المستدل ( بخارج عن المقصود ، فيتوجه له ) أي للمعترض ( سبع منوع مرتبة ) ثلاثة تتعلق بالأصل ، وثلاثة تتعلق بالعلة ، وواحد يتعلق بالفرع . فيقال في الإثبات بمنوع مرتبة : لا نسلم حكم الأصل ، سلمنا ذلك ، ولا نسلم أنه مما يقاس فيه . لم لا يكون مما اختلف في جواز القياس فيه ؟ سلمنا ذلك ، ولا نسلم أنه معلل ; لم لا يقال : إنه تعبدي ؟ سلمنا ذلك ، ولا نسلم أن هذا الوصف علته ; لم لا يقال : إن العلة غيره ؟ سلمنا ذلك ، ولا نسلم وجود الوصف في الأصل ، سلمنا ذلك ، ولا نسلم أن هذا الوصف متعد ; لم لا يقال : إنه قاصر ؟ سلمنا ذلك ، ولا نسلم وجوده في الفرع ، وظاهر إيرادها على هذا الترتيب وجوبه ، لمناسبة ذلك الترتيب الطبيعي . أبو إسحاق الشيرازي
فيقدم منها ما يتعلق بالأصل من منع حكمه ، أو كونه مما لا يقاس عليه ، أو كونه غير معلل ، ثم ما يتعلق بالعلة ; لأنها فرعه ، لاستنباطها منه من منع كون ذلك الوصف علة ، أو منع وجوده في الأصل ، أو منع كونه متعديا ، ثم ما يتعلق بالفرع لابتنائه عليهما . كمنع وجود الوصف المدعى عليته في الفرع وجواب هذه الاعتراضات بدفع ما يراد دفعه [ ص: 545 ] منها بطريقه المفهومة ( وإن اعترض ) المعترض ( على حكم الأصل ب ) قوله ( إني لا أعرف مذهبي فيه ) أي في الأصل المقيس عليه ( فإن أمكن المستدل بيانه ) بينه ( وإلا ) أي وإن لم يمكنه بيانه ( دل ) أي أقام الدليل ( على إثباته ) قاله في الواضح ( وللمستدل أن يستدل بدليل عنده فقط ) أي دون المعترض ( كمفهوم وقياس فإن اعترض ) بأن منعه خصمه ( دل عليه ) المستدل ( ولم ينقطع ) بذلك ( وليس للمعترض أن يلزمه ) أي يلزم المستدل ( ما يعتقده هو ) أي المعترض ( ولا أن يقول ) المعترض للمستدل ( إن سلمت ) ما أعتقده ( وإلا دللت عليه ) قال ابن عقيل ابن مفلح : قال أصحابنا والشافعية وغيرهم : للمستدل أن يحتج بدليل عنده فقط ، كمفهوم وقياس . فإن منعه خصمه دل عليه ولم ينقطع خلافا ، إن كان الأصل خفيا . وأطلق لأبي علي الطبري الشافعي أبو محمد البغدادي المنع عن قوم .
وليس للمعترض أن يلزمه ما يعتقده هو فقط ، ولا أن يقول : إن سلمته وإلا دللت عليه ، خلافا لبعض الشافعية . قال : لأنه بالمعارضة كالمستدل . وعنى به إلكيا . وقال بعض أصحابنا - وعنى به الشيخ تقي الدين - لا ينقطع واحد منهما . فيكون الاستدلال في مهلة النظر في المعارض . انتهى .