وهو دعوى المعترض ( بأن الوصف لا مناسبة له ) و ( لا يرد ) هذا ( على قياس الدلالة ) قاله الثامن من القوادح ( عدم التأثير ) الشيخ تقي الدين ; لأنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول . وذكره وابن عقيل في الانتصار في مسألة عدالة الشهود والنكاح بلفظ الهبة ( و ) قال أيضا ( لا ) يرد على ( قياس ناف للحكم ) لتعدد سبب انتفائه ; لعدم العلة أو جزئها أو وجود مانع ، أو فوات شرط ، بخلاف سبب ثبوته ; لأن عدم التأثير إنما يصح إذا لم تخلف العلة علة أخرى ، ولأنه يرجع إلى قياس الدلالة . أبو الخطاب
وقال البرماوي وغيره : من القوادح في العلة : عدم التأثير ، كأن يقول المعترض : هذا الذي علل به غير مناسب للتعليل ، لكونه طرديا ، أو لاختلال شرط من شروط العلة فيه . فلا يكتفى به في التعليل . ووجه تسميته بذلك : أن المراد بالتأثير هنا اقتضاؤه ، إما بمعنى المعرف أو المؤثر ، على ما سبق من الخلاف . فإذا لم يفد أثرا فلا تأثير له ( وأقسامه ) أي الأول ( عدمه ) أي عدم التأثير ( في الوصف ) أي لا تأثير له أصلا ; لكون الوصف طرديا ( ك ) قول المستدل : صلاة الصبح ( صلاة لا تقصر ، فلا يقدم أذانها على وقتها كالمغرب ، فعدم القصر [ ص: 550 ] هنا ) بالنسبة لعدم تقديم الأذان ( طردي ) فكأنه قال : لا يقدم أذان الفجر عليها ; لأنها لا تقصر ، واطرد ذلك في المغرب ، لكنه لم ينعكس في بقية الصلوات إذ مقتضى هذا القياس : أن ما يقصر من الصلوات يجوز تقديم أذانه على وقته من حيث انعكاس العلة ( فيرجع ) حاصله ( إلى سؤال المطالبة ) بصلاحية كونه علة كما سبق . أقسام عدم التأثير ( أربعة )
( و ) القسم الثاني من أقسام عدم التأثير ( عدمه في الأصل ) بأن يستغنى عنه بوصف آخر لثبوت حكمه بدونه ( ك ) قول المستدل في بيع الغائب ( مبيع غير مرئي ، فبطل كالطير في الهواء ) فيعترض بأن العلة العجز عن التسليم ، وهو كاف في البطلان ، وعدم التأثير هنا : جهة العكس ; لأن تعليل عدم صحة بيع الغائب ; بكونه غير مرئي يقتضي أن كل مرئي يجوز بيعه . وقد بطل بيع الطير في الهواء ( فالعجز عن التسليم ) وصف ( مستقل ) ، يصلح أن يكون وحده علة ; لعدم الصحة ( ويقبل ) القدح بعدم التأثير في الأصل ( في وجه ) قال ابن مفلح وغيره : وقبوله ورده مبني على تعليل الحكم بعلتين . ولم يقبله أبو محمد الفخر إسماعيل ، بناء على هذا ، وقبله في الروضة وغيره ( وهو معارض في الأصل ) . الموفق
( و ) القسم الثالث من أقسام عدم التأثير ( عدمه ) أي عدم التأثير ( في الحكم ) فيكون من جملة ما علل به قيد لا تأثير له في حكم الأصل الذي قد علل له ، وهو ثلاثة أنواع . أحدهما : ما أشير إليه بقوله ( وهو ما لا فائدة لذكره ) ، ( ك ) قول المستدل ( المرتد مشرك أتلف مالا في دار الحرب . فلا ضمان ) عليه ( كحربي ) . ( ف ) قوله ( دار الحرب : طردي ) لا فائدة في ذكره ( إذ من أوجبه ) أي أوجب الضمان ( أو نفاه : أطلق ) القول من غير تقييد بدار الحرب . فيرجع إلى ما رجع إليه القسم الأول ، وهو المطالبة بتأثير كونه في دار الحرب .
ومثله بعض أصحابنا بقولنا في تخليل الخمر : مائع لا يطهر بالكثرة ، فلا يطهر بالصنعة كالدهن واللبن . فقيل للقاضي فقولك " لا يطهر بالصنعة " لا أثر له في الأصل . فقال : هذا حكم العلة ، والتأثير يعتبر في العلة دون الحكم ، قال بعض أصحابنا : هذا ضعيف ، وذكر فيه مذهبين . أبو الخطاب
النوع الثاني : ما أشير إليه بقوله ( أو له فائدة ضرورية ) ، ( كقول معتبر ) [ ص: 551 ] أي مشترط ( عدد الأحجار ) أي عدد المسحات ( في الاستجمار ) أنها ( عبادة متعلقة بالأحجار لم يتقدمها معصية ، فاعتبر فيها العدد كالجمار ) أي كرمي الجمار في الحج ( فقوله ) أي قول المستدل ( لم يتقدمها معصية لا أثر له ) في الاستدلال ( لكنه ) أي المستدل ( مضطر إلى ذكره لئلا ينتقض ) عليه الاستدلال ( ب ) حد ( الرجم ) ; لأنه أيضا عبادة متعلقة بالأحجار ، لكن لم يعتبر فيها عدد ، وحكم هذا النوع حكم الذي قبله .
النوع الثالث : ما أشير إليه بقوله ( أو غير ضرورة ) يعني أن يكون لذكر ما لا أثر له في القياس فائدة ، لكن المعلل لم يضطر إليها في ذلك القياس ( ك ) قوله ( الجمعة صلاة مفروضة ، فلم تفتقر إلى إذن ) الإمام في إقامتها ( كغيرها ) من الصلوات ( ف ) قول المستدل ( مفروضة : حشو ) ولهذا يسمى هذا النوع بالحشو ( إذ لو حذفت ) " مفروضة " ( لم ينتقض ) قياسه ; لأن النفل كذلك ، وإنما ذكر لتقريب الفرع من الأصل ، وتقوية الشبه بينهما إذ الفرض بالفرض أشبه من غيره ، قال في التمهيد : فمفروضة ، قيل : يضر دخوله ; لأنه بعض العلة ، وقيل : لا . فإن فيه تنبيها على أن غير الفرض أولى أن لا يفتقر ; ولأنه يزيد تقريبه من الأصل ، فالأولى ذكره . ا هـ .
( و ) القسم الرابع من أقسام عدم التأثير ( عدمه ) أي عدم التأثير ( في الفرع ) وإن كان الوصف له تأثير في الجملة ، لكن لا يطرد التأثير في ذلك الفرع ونحوه من محال النزاع ، مثال ذلك في ولاية المرأة ( ك ) قول المستدل : امرأة ( زوجت نفسها فلا يصح ) تزويجها ( كما لو زوجت ) أي زوجها وليها ( بغير كفء ) فالتزويج من غير كفء ، وإن ناسب البطلان ، إلا أنه لا اطراد له في صورة النزاع التي هي تزويجها نفسها مطلقا . فبان أن الوصف لا أثر له في الفرع المتنازع فيه ( وهو ) أي وهذا القسم ( كالثاني ) أي كالقسم الثاني من حيث إن حكم الفرع هنا مضاف إلى غير الوصف المذكور ، قاله ابن الحاجب وابن مفلح والتاج السبكي . وقيل : إنه كالقسم الثالث ، وصوبه بعضهم . قال الآمدي : عدم التأثير في محل النزاع رده قوم لمنعهم جواز الفرض في الدليل . وقبله من لم يمنعه ، وهو المختار ( ويجوز الفرض [ ص: 552 ] في بعض صور المسألة ) عند جماهير العلماء ، وبه قال الموفق والمجد والفخر إسماعيل . قال في الروضة : له أن يخص الدليل فيفيد لغرض الفرض ببعض صور الخلاف ، إلا أن يعم الفتيا ، فلا . وقال الموفق : يجوز الفرض في بعض صور المسألة المسئول عنها عند عامة الأصوليين . المجد
وقال الفخر إسماعيل : والمختار جواز الفرض من غير بناء . وعليه الاصطلاح لإرفاق المستدل ، وتقريب الفائدة ، واستدل للجواز بأنه قد لا يساعده الدليل على الكل ، أو يساعده ، غير أنه لا يعلل على دفع كلام الخصم ، بأن يكون كلامه في بعض الصور أشكل . فيستفيد بالفرض غرضا صحيحا ، ولا يفسد بذلك جوابه ; لأن من سأل عن الكل فقد سأل عن البعض . وهذا هو المذهب الأول في المسألة . مثال ذلك : لو قال المستدل عن نفوذ عتق الراهن : أفرض الكلام في المعسر ، أو عن من زوجت نفسها ، أو أفرضه في من زوجت بغير كفء . فإذا خص المستدل تزويجها نفسها من غير الكفء بالدليل فقد فرض دليله في بعض صورة النزاع . المذهب الثاني : الجواز بشرط بناء ما خرج عن محل الفرض إلى محل الفرض ، أي ينبني غير ما فرضه وأقام الدليل عليه على ما فرضه ، اختاره جماعة .
المذهب الثالث : المنع ، وبه قال ، فشرط أن يكون الدليل عاما لجميع مواقع النزاع ; ليكون مطابقا للسؤال ، ودافعا لاعتراض الخصم . المذهب الرابع - وبه قال ابن فورك - المنع إن كان الوصف المجعول في الفرض طردا ، وإلا قبل . وعلى الجواز - وهو الصحيح - ( يكفي قوله ) أي قول المستدل ( ثبت الحكم في بعض الصور ، فلزم ثبوته في الباقي ) ضرورة إذ لا قائل بالفرق . وقيل : لا يكفيه ذلك ، بل يحتاج إلى رد ما خرج عن محل الفرض إلى محل الفرض بجامع صحيح ، كما هو قاعدة القياس . وقيل : إن كان الفرض في صورة السؤال فلا يحتاج إلى البناء ، وإن عدل عن الفرض إلى غير محل السؤال ، فلا بد حينئذ من بناء السؤال على محل الفرض بطريق القياس ( وإن أتى ) المستدل ( بما لا أثر له في الأصل لدفع النقض ، لم يجز ) عندنا وعند الأكثر وفي مقدمة " المجرد " ، ويحتمل أن لا يجوز ، ويحتمل أن يجوز ; لأنه يحتاج إليه لتعليق الحكم [ ص: 553 ] بالوصف المؤثر . وكلام ابن الحاجب : يقتضي أن له ذكره تأكيدا ، أو لتأكيد العلة ، فيتأكد الحكم ، وللبيان ولتقريبه من الأصل . وقال : إن جعل الوصف مخصصا لحكم العلة ، كتخليل الخمر " مائع لا يطهر بكثرة . فكذا بصنعة آدمي ; كخل نجس ، فلا يطهر الأصل مطلقا " . ابن عقيل