( فصل : لا يفتي إلا مجتهد ) . عند أكثر الأصحاب ، ومعناه عن ، فإنه قال : وينبغي أن يكون عالما بقول من تقدم ، وقال أيضا : أحمد . وقال أيضا : لا يجوز الاختيار إلا لعالم بكتاب وسنة . قال بعض أصحابنا : الاختيار ترجيح قول ، وقد يفتي بالتقليد . ا هـ . ينبغي للمفتي أن يكون عالما بوجوه القرآن ، والأسانيد الصحيحة والسنن
وقال صاحب التلخيص والترغيب : يجوز للمجتهد في مذهب إمامه ، لأجل الضرورة ، وقال أكثر العلماء : يجوز لغير المجتهد أن يفتي ، إن كان مطلعا على المأخذ ، أهلا للنظر . قال البرماوي : يجوز أن يفتي بمذهب المجتهد من عرف مذهبه ، وقام بتفريع الفقه على أصوله ، وقدر على الترجيح في مذهب ذلك المجتهد ، فإنه حينئذ يصير كإفتاء المجتهد بنفسه . فالمجتهد المقدم في مذهب إمامه ، وهو من يستقل بتقرير مذهبه ، ويعرف مأخذه من أدلته التفصيلية ، بحيث لو انفرد لقرره كذلك ، فهذا يفتي بذلك لعلمه بالمأخذ ، وهؤلاء أصحاب الوجوه . ودونهم في الرتبة : أن يكون فقيه النفس ، حافظا للمذهب ، قادرا على التفريع والترجيح ، فهل له الإفتاء بذلك ؟ أقوال : أصحها يجوز . ا هـ . وقال القفال من الشافعية : من حفظ مذهب إمام أفتى به ، وقال المروزي : يفتي المتبحر فيه ، وذكر أبو محمد الجويني في عامي عرف حكم حادثة بدليلها : يفتي ، أو إن كان من كتاب أو سنة ، أو المنع مطلقا ، وهو أصح ، وفيه أوجه . ا هـ . الماوردي
وقال ابن حمدان في آداب المفتي : فمن أفتى وليس على صفة من الصفات المذكورة من غير ضرورة : فهو عاص آثم ، وظاهر كلام تقليد أهل الحديث . قال : سأل أحمد الإمام عبد الله فيمن أهل مصره أصحاب رأي ، وأصحاب حديث لا يعرفون الصحيح : لمن يسأل ؟ قال : أصحاب الحديث . [ ص: 624 ] قال أحمد : وظاهره تقليدهم . وقال في الواضح : ظاهر رواية القاضي : أن صاحب الحديث أحق بالفتيا ، وحملها على أنهم فقهاء ، أو أن السؤال يرجع إلى الرواية . ثم ذكر عبد الله قول القاضي " لا يكون فقيها حتى يحفظ أربعمائة ألف حديث " وحمله هو وغيره على المبالغة والاحتياط ، ولهذا قال أحمد " الأصول التي يدور عليها العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تكون ألفا ، أو ألفا ومائتين " وذكر أحمد : أن القاضي ابن شاقلا اعترض عليه به ، فقال : إن كنت لا أحفظ فإني أفتي بقول من يحفظ أكثر منه .
قال : لا يقتضي هذا : أنه كان يقلد القاضي ، لمنعه الفتيا بلا علم . قال بعض أصحابنا : ظاهره تقليده ، إلا أن يحمل على أخذ طرق العلم منه . ثم ذكر عن أحمد : لا يجوز أن يفتي بما يسمع من مفت ، وروي عن ابن بطة : ما أعيب على رجل حفظ ابن بشار خمس مسائل استند إلى سارية المسجد يفتي بها . قال لأحمد : هذا مبالغة في فضله . قال بعض أصحابنا : هذا صريح في الإفتاء بتقليد القاضي ، وقال أحمد ابن هبيرة : من لم يجوز إلا تولية قاض مجتهد : إنما عنى قبل استقرار هذه المذاهب وانحصار الحق فيها ، وقال الآمدي : بجواز بعض الإفتاء بالتقليد . وهو ظاهر كلام المتقدم ، واختاره ابن بشار أبو الفرج في الإيضاح ، وصاحب الرعاية ، والحاوي من أصحابنا . كالحنفية ; لأنه ناقل كالراوي .
رد ، ليس إذا مفتيا ، بل مخبر . ذكره جماعة ، منهم : أبو الخطاب وابن عقيل ، وزاد : فيحتاج مخبر عن معين مجتهد ، فيعمل بخبره لا بفتياه ( ولا يجوز خلو عنه ) أي : عن مجتهد . قال والموفق ابن مفلح : لا يجوز خلو العصر عن مجتهد عند أصحابنا وطوائف . قال بعض أصحابنا : ذكره أكثر من تكلم في الأصول في مسائل الإجماع . ولم يذكر خلافه ، إلا عن بعض المحدثين ، واختاره ابن عقيل القاضي عبد الوهاب المالكي وجمع منهم ، ومن غيرهم : قال الكرماني في شرح في قوله صلى الله عليه وسلم { البخاري } - إلى آخره قال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ; لأن أمته آخر الأمم . وعليها تقوم الساعة ، وإن ظهرت أشراطها ، وضعف الدين ، فلا بد أن يبقى من أمته من يقوم به . قال : فإن قيل : قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 625 ] { ابن بطال } وقال أيضا { لا تقوم الساعة حتى لا يقول أحد : الله الله } قلنا : هذه الأحاديث لفظها على العموم ، والمراد منها الخصوص . فمعناه : لا تقوم على أحد يوحد الله تعالى إلا بموضع كذا ، إذ لا يجوز أن تكون الطائفة القائمة بالحق التي توحد الله تعالى هي شرار الخلق . لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس
وقد جاء ذلك مبينا في حديث : أنه صلى الله عليه وسلم قال { أبي أمامة الباهلي ببيت المقدس ، أو أكناف بيت المقدس } ا هـ . وقال لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله . قيل : وأين هم يا رسول الله ؟ قال : البرماوي : واختار ابن دقيق العيد في شرح العنوان مذهب الحنابلة ، وكذا في أول شرح الإلمام ، بل أشار إلى ذلك إمام الحرمين في البرهان ، وكذا ابن برهان في الأوسط ، لكن كلامهم محتمل الحمل على عمارة الوجود بالعلماء ، لا على خصوص المجتهدين . ا هـ . واختار صاحب جمع الجوامع : جواز ذلك ، إلا أنه لم يقع ، وقيل : إن المجتهد المطلق عدم من زمن طويل ، قال ابن حمدان في آداب المفتي : ومن زمن طويل عدم المجتهد المطلق ، مع أنه الآن أيسر منه في الزمن الأول ; لأن الحديث ، والفقه قد دونا ، وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات والآثار وأصول الفقه والعربية وغير ذلك ، لكن الهمم قاصرة ، والرغبات فاترة ، ونار الجد والحذر خامدة ، وعين الخوف والخشية جامدة ، اكتفاء بالتقليد ، واستغناء عن التعب الوكيد ، وهربا من الأثقال ، وأربا في تمشية الحال ، وبلوغ الآمال ، ولو بأقل الأعمال . وقال النووي في شرح المهذب : فقد الآن المجتهد المطلق ، ومن دهر طويل ، نقله السيوطي في شرح منظومته لجمع الجوامع . وقال الرافعي : لأن الناس اليوم كالمجمعين أن لا مجتهد اليوم . نقله الأردبيلي في الأنوار . قال ابن مفلح : لما نقل كلامهما : وفيه نظر . قال في شرح التحرير : وهو كما قال ، فإنه وجد من المجتهدين بعد ذلك جماعة . منهم [ ص: 626 ] الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله . قال ابن العراقي والشيخ تقي الدين السبكي والبلقيني .