( فصل : لمفت ردها ) أي : رد الفتيا ( و ) محله إذا كان ( في البلد غيره ) أي : الراد . وهو ( أهل لها ) أي : للفتيا    ( شرعا ) وهذا الذي عليه جماهير العلماء ; لأن الفتيا - والحالة هذه - في حقه سنة . وقال الحليمي الشافعي    : ليس له ردها ، ولو كان في البلد غيره . لأنه بالسؤال تعين عليه الجواب ( وإلا ) أي : وإن لم يكن في البلد غيره ( لزمه الجواب ) قطعا ، ذكره  أبو الخطاب   وابن عقيل  وغيرهما ( إلا عما لم يقع ) فإنه لا يلزمه الجواب عنه ( و ) إلا ( ما لا يحتمله سائل ) فإنه لا يلزمه إجابته ( و ) إلا ( ما لا ينفعه ) أي : ينفع السائل من الجواب ، فإنه يلزمه أن يجيبه ، وقد سئل الإمام  أحمد  رضي الله تعالى عنه عن يأجوج  ومأجوج    . أمسلمون هم ؟ فقال للسائل : أحكمت العلم حتى تسأل عن ذا ؟ وسئل عن مسألة في اللعان ؟ فقال : سل - رحمك الله - عما ابتليت به ، وسأله مهنا  عن مسألة ؟ فغضب  [ ص: 629 ] وقال : خذ - ويحك - فيما تنتفع به ، وإياك وهذه المسائل المحدثة ، وخذ ما فيه حديث . 
وسئل عن مسألة ؟ فقال : ليت إنا نحسن ما جاء فيه الأثر .  ولأحمد  عن  ابن عمر    " لا تسألوا عما لم يكن ، فإن  عمر  نهى عن ذلك " وله أيضا عن  ابن عباس  ، أنه قال عن الصحابة : ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم ، واحتج  الشافعي  على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله تعالى { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم    } { وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال   } وفي لفظ { إن الله كره لكم ذلك   } متفق عليهما . 
وفي حديث اللعان { فكره صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها   } قال  البيهقي    : كره السؤال عن المسألة قبل كونها إذا لم يكن فيها كتاب أو سنة ; لأن الاجتهاد إنما يباح ضرورة ، ثم روي عن  معاذ    : " أيها الناس : لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله " وعن  أبي سلمة بن عبد الرحمن  مرسلا : معناه . قال  ابن عباس  لعكرمة    " من سألك عما لا يعنيه فلا تفته " وسأل المروزي   أحمد  رضي الله تعالى عنه عن شيء من أمر العدل . فقال : لا تسأل عن هذا ، فإنك لا تدركه ، وذكر  ابن عقيل    : أنه يحرم إلقاء علم لا يحتمله السامع ، لاحتمال أن يفتنه وذكر  ابن الجوزي    : أنه لا ينبغي إلقاء علم لا يحتمله السامع ، قال  البخاري    : قال  علي    " حدثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟ " وفي مقدمة  مسلم  عن  ابن مسعود    " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم " وعن  معاوية  مرفوعا { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلوطات   } رواه  أحمد   وأبو داود    . قيل - بفتح الغين واحدها غلوطة - وهي المسائل التي يغالط بها ، وقيل : بضمها ، وأصلها الأغلوطات ( وكان السلف  يهابونها ويشددون فيها ، ويتدافعونها ) وأنكر  أحمد  وغيره على من تهجم في الجواب ، وقال : لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى فيه . 
( ويحرم التساهل فيها وتقليد معروف به ) أي : بالتساهل ; لأن أمر الفتيا خطر ، فينبغي أن يتبع السلف  في ذلك ، فقد كانوا يهابون الفتيا كثيرا ، وقد قال الإمام  أحمد  رضي الله تعالى عنه : إذا هاب الرجل  [ ص: 630 ] شيئا لا ينبغي أن يحمل على أن يقوله ، وقال بعض الشافعية : من اكتفى في فتياه بقول أو وجه في المسألة ، من غير نظر في ترجيح ولا تقيد به : فقد جهل وخرق الإجماع ، وذكر عن  أبي الوليد الباجي    : أنه ذكر عن بعض أصحابهم أنه كان يقول : الذي لصديقي علي : أن أفتيه بالرواية التي توافقه . قال أبو الوليد    : وهذا لا يجوز عند أحد يعتد به في الإجماع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					