( لأن بان الشهادة مشوب بالتعبد ، بدليل أن الشاهد لو أبدل لفظة " أشهد " بأعلم ، أو أتيقن ، أو أخبر ، أو أحقق : لم يقبل ، ولا تقبل شهادة جمع كثير من النساء على يسير من المال ، حتى يكون معهن رجل ، مع أن شهادة الجمع الكثير من النساء يجوز أن يحصل به العلم التواتري ، وما ذاك إلا لثبوت التعبد ( ولا ) ترجيح أيضا ( في المذاهب الخالية عن دليل ) ; لأن الترجيح إنما هو في الألفاظ المسموعة والمعاني المعقولة ، وأصل هذه المسألة : أن ولا ترجيح في الشهادة ) القاضي عبد الجبار قال : إن الترجيح له مدخل في المذاهب بحيث يقال مثلا : مذهب أرجح من مذهب الشافعي ، أو نحو ذلك وقد خالف أبي حنيفة عبد الجبار غيره ، وحجة عبد الجبار : أن المذاهب آراء ، واعتقادات مستندة إلى الأدلة ، وهي تتفاوت في القوة والضعف ، فجاز . أحدها : أن المذاهب لتوفر انهراع [ ص: 638 ] الناس إليها ، وتعويلهم عليها . صارت كالشرائع والملل المختلفة ، ولا ترجيح في الشرائع ، وقد ضعف هذا الوجه بأن انهراع الناس إليها لا يخرجها عن كونها ظنية تقبل الترجيح ، ولا نسلم أنها تشبه الشرائع ، وإن سلمنا ، فلا نسلم أن الشرائع لا تقبل الترجيح ، باعتبار ما اشتملت عليه من المصالح والمحاسن ، وإن كان طريق جميعها قاطعا . الوجه الثاني : أنه لو كان للترجيح مدخل في المذاهب لاضطرب الناس ، ولم يستقر أحد على مذهب . فلذلك لم يكن للترجيح فيه مدخل كالبينات ، وهذا الوجه أيضا ضعيف ، واللازم منه مستلزم ، وكل من ظهر له رجحان مذهب وجب عليه الدخول فيه . كما يجب على المجتهد الأخذ بأرجح الدليلين . دخول الترجيح فيها كالأدلة . واحتج المانعون لما قاله بوجوه
الوجه الثالث : أن كل واحد من المذاهب ليس متمحضا في الخطإ ولا في الصواب ، بل هو مصيب في بعض المسائل ، مخطئ في بعضها ، وعلى هذا : فالمذهبان لا يقبلان الترجيح ، لإفضاء ذلك إلى الترجيح بين الخطإ والصواب في بعض الصور ، أو بين خطأين أو صوابين ، والخطأ لا مدخل للترجيح فيه اتفاقا ، وهذا الوجه يشير قائله فيه إلى أن النزاع لفظي ، وهو أن من نفى الترجيح فإنما أراد : لا يصح ترجيح مجموع مذهب على مجموع مذهب آخر . لما ذكر ، ومن أثبت الترجيح بينهما : أثبته باعتبار مسائلهما الجزئية ، وهو صحيح ، إذ يصح أن يقال : مذهب في أن الماء المستعمل في رفع الحدث طهور أرجح من مذهب مالك الشافعي في أنه غير طهور ، وكذا في غيرها من المسائل . وأحمد