( ويكون ) الترجيح ( بين ) دليلين ( منقولين ) كنصين ( و ) بين ( معقولين ) كقياسين ( و ) بين ( منقول ومعقول ) كنص ، وقياس ، فهذه ثلاثة أقسام . ومحل ذلك : عند مشروعية الاجتهاد في الترجيح ، وهو ما إذا ( ويجب تقديم الراجح ) من الأدلة على المرجوح منها . لأن كان الدليلان ظنيين ، و جهل أسبقهما ، وتعذر الرجوع إلى غيرهما موصلة إلى التصديقات الشرعية . ترجيحات الأدلة الظنية
أما القسم ( الأول ) وهو الذي بين منقولين ، فيكون ( في السند والمتن ، ومدلول اللفظ وأمر خارج ) عما ذكر ، فهذه أربعة أنواع . أما وقوعه في السند : فلكونه طريق ثبوته ، وأما وقوعه في المتن : فباعتبار مرتبة دلالته ، وأما وقوعه في مدلول اللفظ وأمر خارج فلما يترتب على اللفظ ، وما ينضم إليه من أمر خارج من أحد الأحكام الخمسة المدلول عليها به ( فالسند ) وهو النوع الأول ، ويقع الترجيح بحسبه في أربعة أشياء . الشيء الأول : الراوي ، ويكون في نفسه وفي تزكيته ، فبدأنا بما في نفسه .
ثم اعلم أن الذي عليه الأربعة والأكثر : أن السند ( يرجح بالأكثر رواة ) وهو بأن تكون رواته أكثر من رواة غيره ; لأن العدد الكثير أبعد عن الخطإ من العدد القليل ; لأن كل واحد من الكثير يفيد ظنا . فإذا انضم إلى غيره قوي ، فيكون مقدما لقوة الظن ، وقد رجح رسول الله صلى الله عليه وسلم قول ذي اليدين [ ص: 640 ] بموافقة أبي بكر لما قاله ، وعمل بذلك الصحابة بعده ، ومن أمثلة ذلك : مسألة رفع اليدين في غير تكبيرة الإحرام عند ركوع ورفع منه ، فروى وعمر إبراهيم عن عن علقمة { ابن مسعود } ورواه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام ثم لا يعود ، وروى ابن عمر : أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، وإذا كبر للركوع ، وإذا رفع رأسه من الركوع ابن عمر ووائل بن حجر في عشرة من الصحابة ، منهم : وأبو حميد الساعدي أبو قتادة ، وأبو أسيد وسهل بن سعد ، ورواه أيضا ومحمد بن مسلمة أبو بكر وعمر وعلي ، وأنس ، وجابر ، وابن الزبير وجمع غيرهم ، بلغوا ثلاثة وثلاثين صحابيا . وأبو هريرة
وقدم ابن برهان الأوثق على الأكثر . قال : وهو قياس مذهبنا ، وخالف المجد وغيره ، فقال : لا يرجح بالكثرة . وذكره الكرخي عن بعض الشافعية ، ونقله صاحب الميزان من الحنفية عن أكثر الحنفية : أنه كالشهادة والفتوى ، ورد قياسهم على الشهادة بأن عند ابن عقيل : الكثرة في الشهود تقدم ، وهو قول لنا ، ثم الشهادة تعبد ، وحجة متفق عليها ، ومقدرة شرعا بعدد ، ولم ترجح الصحابة فيها بمثله ، وقال مالك القاضي : ولم يرجح فيها بالأتقن الأعلم ، ورد قياسهم على الفتوى : بأنه لا يقع العلم بها فليس طريقها الخبر . إنما نقف على علم المفتي ، وقد يكون الواحد أعلم . وعند وأبو الخطاب أحمد ومالك ( أو أكثر أدلة ) فإن كثرة الأدلة تفيد تقوية الظن ; لأن الظنين أقوى من الظن الواحد ، لكون الأكثر أدلة أقرب إلى القطع ، فيرجح بذلك خلافا للحنفية . والشافعي