( فصل ) لما أنهى الكلام في تعريف الحكم وتقسيمه إلى خمسة ، أخذ يبين تعريف كل واحد منها ، وما يتعلق به من المسائل والأحكام ، فقال ( ) أي في اللغة ( الساقط والثابت ) قال في القاموس : وجب يجب وجبة : سقط . والشمس وجبا ووجوبا : غابت . والوجبة : السقطة مع الهدة ، أو صوت الساقط . وقال في المصباح : وجب الحق ، والبيع يجب وجوبا ووجبة : لزم وثبت . ومن [ ص: 108 ] أمثلة الثبوت : [ قوله صلى الله عليه وسلم ] " أسألك موجبات رحمتك " ( و ) . الواجب لغة
أما أي : في عرف الشرع فلهم فيه حدود كثيرة اقتصر منها في الأصل على ستة أوجه . الواجب ( شرعا )
أحدها : وهو ما قال في شرح التحرير : أنه أولاها ( ما ذم شرعا تاركه قصدا مطلقا ) وهو . ونقله في المحصول عن للبيضاوي . وقال في المنتخب : إنه الصحيح من الرسوم ، لكن فيه نقص وتغيير . وتبعه ابن الباقلاني الطوفي في مختصره ، ولم يقل " قصدا " . فالتعبير بلفظ " ما ذم " خير من التعبير بلفظ " ما يعاقب " لجواز العفو عن تاركه . وقولنا " شرعا " أي ما ورد ذمه في كتاب الله سبحانه وتعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو في إجماع الأمة ، ولأن الذم لا يثبت إلا بالشرع خلافا لما قالته المعتزلة ، واحترز به عن المندوب والمكروه والمباح ، لأنه لا ذم فيها .
وقوله " تاركه " احترز به عن الحرام . فإنه لا يذم إلا فاعله . وقوله : " قصدا " فيه تقديران موقوفان على مقدمة ، وهو أن التعريف إنما هو بالحيثية ، أي الذي بحيث لو ترك لذم تاركه ; إذ لو لم يكن بالحيثية لاقتضى أن كل واجب لا بد من حصول الذم على تركه ، وهو باطل . إذا علم ذلك فأحد التقديرين : أنه إنما أتى بالقصد ; لأنه شرط لصحة هذه الحيثية ; إذ التارك لا على سبيل القصد لا يذم .
الثاني : أنه احترز به عما إذا مضى من الوقت قدر فعل الصلاة ثم تركها بنوم أو نسيان ، وقد تمكن . ومع ذلك لم يذم شرعا تاركها ، لأنه ما تركها قصدا . فأتى بهذا القيد لإدخال هذا الواجب في الحد ، ويصير به جامعا ، وقوله " مطلقا " فيه تقديران أيضا موقوفان على مقدمة ، وهي أن الإيجاب باعتبار الفاعل قد يكون على الكفاية وعلى العين ، وباعتبار المفعول قد يكون مخيرا كخصال الكفارة ، [ وقد يكون محتما ، كالصلاة أيضا وباعتبار الوقت المفعول فيه قد يكون موسعا كالصلاة ] وقد يكون مضيقا كالصوم .
فإذا ترك الصلاة في أول وقتها صدق أنه ترك واجبا إذ الصلاة تجب بأول الوقت . ومع ذلك لا يذم عليها إذا أتى بها في أثناء الوقت . ويذم إذا أخرجها عن جميعه ، وإذا ترك إحدى خصال الكفارة ، فقد ترك ما يصدق عليه أنه لازم فيه إذا أتى بغيره . وإذا ترك صلاة جنازة فقد ترك ما صدق عليه أنه واجب عليه ، ولا يذم عليه إذا فعله غيره . إذا علم ذلك فأحد التقديرين أن قوله [ ص: 109 ] مطلقا " عائد إلى الذم . وذلك أنه قد تلخص أن الذم على الواجب الموسع على المخير وعلى الكفاية من وجه دون وجه . والذم على الواجب المضيق والمحتم والواجب على العين من كل وجه . فلذلك قال " مطلقا " ليشمل ذلك كله بشرطه ، ولو لم يذكر ذلك لورد عليه من ترك شيئا من ذلك .
والتقدير الثاني : أن " مطلقا " عائد إلى الترك ، والتقدير تركا مطلقا ليدخل المخير والموسع وفرض الكفاية . فإنه إذا ترك فرض الكفاية لا يأثم ، وإن صدق أنه ترك واجبا وكذلك الآتي به آت بالواجب ، مع أنه لو تركه لم يأثم . وإنما يأثم إذا حصل الترك المطلق منه ومن غيره . وهكذا في الواجب المخير والموسع . ودخل فيه أيضا الواجب المحتم والمضيق وفرض العين ، لأن كل ما ذم الشخص عليه إذا تركه وحده ذم عليه أيضا إذا تركه هو وغيره .
وأما بقية الحدود الستة ، فالحد الثاني : أن الواجب ما يعاقب تاركه .
الثالث : أن الواجب ما توعد على تركه بالعقاب .
الرابع : ما يذم تاركه شرعا .
الخامس : ما يخاف العقاب بتركه .
السادس : ، فإنه حده بأنه إلزام الشرع . وقال : الثواب والعقاب أحكامه ومتعلقاته . لابن عقيل
قال في شرح التحرير : فحده به يأباه المحققون وهو حسن . ( ومنه ) أي ( ، كنفقة واجبة ، ورد وديعة وغصب ونحوه ) كعارية ، ودين ( إن فعل ) ذلك ( مع غفلة ) لعدم النية المترتب عليها الثواب من الواجب : ( ما لا يثاب على فعله ) أي كأن يترك المكلف المحرم ( غافلا ) عن كون تركه طاعة بامتثال الأمر بالترك . لأن شرط ترتيب الثواب على تركه ، نية التقرب به ، فترتب الثواب وعدمه في فعل الواجب وترك المحرم راجع إلى وجود شرط الثواب وعدمه ، وهو النية . ( ومن المحرم ما لا يثاب على تركه )