( وإن ) يمين ( ونحوها ) كجزاء الصيد في قوله تعالى ( { ( طلب ) شيء ( واحد من أشياء كخصال كفارة ) فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره } ) وكفدية الأذى في قوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب } .
وكالجبران في الزكاة في قوله صلى الله عليه وسلم { } . ومثله الواجب في المائتين من الإبل أربع حقاق ، أو خمس بنات لبون . وكالتخيير بين غسل الرجلين في الوضوء للابس الخف أو المسح عليه ، ونحو ذلك ( فالواجب واحد لا بعينه ) عند أكثر العلماء ، قال شاتان أو عشرون درهما : إنه إجماع الباقلاني السلف وأئمة الفقه ( ويتعين ) ذلك الواحد ( بالفعل ) ذكره عن الفقهاء ابن عقيل والأشعرية ، لأنه يجوز التكليف بذلك عقلا ، كتكليف السيد عبده بفعل هذا الشيء أو ذاك ، على أن يثيبه على أيهما فعل . ويعاقبه بترك الجميع .
ولو أطلق لم يفهم وجوبهما . والنص دل عليه ، لأنه لم يرد الجميع ولا واحدا بعينه ; لأنه خيره .
ولو أوجب التخيير للجميع لوجب عتق الجميع ، إذا وكله في إعتاق أحد عبديه ، وتزويج موليته بالخاطبين ، إذا وكلته في التزويج بأحدهما . ومتعلق الوجوب : هو القدر المشترك بين الخصال ، ولا تخيير فيه ، لأنه واحد ، ولا يجوز تركه . ومتعلق التخيير خصوصيات الخصال التي فيها التعدد ، ولا وجوب فيها .
قاله . وقال ابن الحاجب السبكي الكبير : وعندي زيادة أخرى في التخيير ، وهي أن القدر المشترك يقال على المتواطئ ، كالرجل ، ولا إبهام فيه . فإن حقيقته معلومة متميزة عن غيرها من الحقائق ، ويقال على المبهم من شيئين أو أشياء . [ ص: 119 ]
كأحد الرجلين . والفرق بينهما : أن الأول لم تقصد فيه إلا الحقيقة . والثاني : قصد فيه ذلك مع أحد الشخصين بعينه ، أي لا باعتبار معنى مشترك بينهما ، وإن لم يعين .
ولذلك سمي مبهما ; لأنه أبهم علينا أمره . فلا يقال في الأول الذي نحو أعتق رقبة ، إنه واجب مخير ، لأنه لم يقل أحد فيه بتعلق الحكم بخصوصياته ، بخلاف الثاني . فإنهم أجمعوا على تسميته مخيرا . ومن الأول : أكثر أوامر الشريعة ، فيتعين أنه القدر المشترك في الأول ، وإليه يرشد قولهم " من أمور معينة " والمعنى : أن النظر إليها من حيث تعينها وتميزها مع الإبهام احترازا عن القسم الأول انتهى . وقيل : يجب جميع الخصال ، ويسقط بفعل واحد منها . وقيل : الواجب معين عند الله تعالى ، وإن فعل غيره منها سقط . وقيل : الواجب ما يختاره المكلف .
ومحل الخلاف في صيغة وردت يراد بها التخيير أو ما في معناه . وأما نحو تخيير المستنجي بين الماء والحجر ، ومريد الحج بين الإفراد والتمتع والقران ونحو ذلك .
فليس مما نحن فيه ، لأنه لم يرد تخيير فيه بلفظ ولا بمعناه ( و ) إذا علمت أنه لم يجب أكثر من واحد من الأشياء المخير المكلف فيها و ( إن كفر بها ) كلها أو بأكثر من واحد ( مترتبة ) أي شيئا بعد شيء ( فالواجب الأول ) أي المخرج أولا إجماعا ، لأنه الذي أسقط الفرض . والذي بعده لم يصادف وجوبا في الذمة ( و ) إن أخرج الكل ( معا ) أي في وقت واحد . قال في شرح التحرير . وصورها في شرح اللمع : بأن يكون قد بقي عليه من الصوم يوم ووكل في الإطعام والعتق . ثم قال قلت : وأولى منها في كفارة اليمين بأن يوكل شخصا يطعم ، وشخصا يكسو ويعتق ، هو في آن واحد ، أو أن يوكل في الكل ، وتفعل في وقت واحد ( أثيب ثواب واجب على أعلاها فقط ) لأنه لا ينقصه ما انضم إليه وترجيح الأعلى ، لكون الزيادة فيه لا يليق بكرم الله تعالى تضييعها على الفاعل مع الإمكان وقصدها بالوجوب . أبو إسحاق الشيرازي
وإن اقترن به آخر ( كما ) أنه ( لا يأثم لو تركها ) كلها ( سوى بقدر ) عقاب أدناها ( لا نفس عقاب أدناها في قول ) ، القاضي أبي يعلى . وقال بعضهم : يعاقب على نفس الأدنى ، لأن [ ص: 120 ] الوجوب يسقط به . وقال والقاضي أبي الطيب أبو الخطاب : يثاب على واحد ويأثم به وقيل : يأثم على واحد لا بعينه . كما هو واجب عليه وابن عقيل
. ( تنبيه ، العبادة ) هي ( الطاعة ) . قال الشيخ تقي الدين في آخر المسودة : كل ما كان طاعة ومأمورا به ، فهو عبادة عند أصحابنا والمالكية والشافعية . وعند الحنفية : العبادة ما كان من شرطها النية ، فدخل في كلام أصحابنا ومن وافقهم : الأفعال والتروك ، كترك المعاصي والنجاسة والزنا والربا وكل محرم ، والأفعال كالوضوء والغسل والزكاة مع النية وقضاء الدين ، ورد المغصوب والعواري والودائع والنفقة الواجبة ولو بلا نية .
( و ) أما ( الطاعة ) فهي ( موافقة الأمر ) أي فعل المأمور به على وفاق الأمر به . وقالت المعتزلة : الطاعة موافقة الإرادة ( والمعصية مخالفته ) أي مخالفة الأمر بارتكاب ضد ما كلف به . وقالت المعتزلة : المعصية مخالفة الإرادة ( وكل قربة ) وهي ما قصد به التقرب إلى الله تعالى على وفق أمره أو نهيه ( طاعة ، ولا عكس ) أي وليس كل طاعة قربة ، لاشتراط القصد في القربة دون الطاعة ، فتكون القربة أخص من الطاعة . والله أعلم .