فصل من فتاويه صلى الله عليه وسلم في الطلاق [ فتاوى في الطلاق ] 
ثبت عن {  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه أنه سأله عن طلاق ابنه امرأته وهي حائض  ، فأمر بأن يراجعها ، ثم يمسكها حتى تطهر ، ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء أن يطلق بعد فليطلق   } . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم ، رجل فقال : إن امرأتي ، وذكر من بذائها  ، فقال طلقها فقال : إن لها صحبة وولدا ، قال مرها وقل لها ، فإن يكن فيها خير فستفعل ، ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك   } ذكره  أحمد    . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم آخر فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس  ، قال : غيرها إن شئت وفي لفظ طلقها قال : إني أخاف أن تتبعها نفسي ، قال فاستمتع بها   } . 
فعورض بهذا الحديث المتشابه الأحاديث المحكمة الصريحة في المنع من تزويج البغايا  ، واختلفت مسالك المحرمين لذلك فيه ; فقالت طائفة : المراد باللامس ملتمس الصدقة ، لا ملتمس الفاحشة ، وقالت طائفة : بل هذا في الدوام غير مؤثر ، وإنما المانع ورود العقد على زانية ; فهذا هو الحرام ، وقالت طائفة : بل هذا من التزام أخف المفسدتين لدفع أعلاهما ; فإنه لما أمر بمفارقتها خاف أن لا يصبر عنها فيواقعها حراما ; فأمره حينئذ بإمساكها ; إذ مواقعتها بعد عقد النكاح أقل فسادا من مواقعتها بالسفاح ، وقالت طائفة : بل الحديث ضعيف لا يثبت ، وقالت طائفة : ليس في الحديث ما يدل على أنها زانية ، وإنما فيه أنها لا تمتنع ممن لمسها أو وضع يده عليها أو نحو ذلك ; فهي تعطي الليان لذلك ، ولا  [ ص: 266 ] يلزم أن تعطيه الفاحشة الكبرى ، ولكن هذا لا يؤمن معه إجابتها لداعي الفاحشة ، فأمره بفراقها تركا لما يريبه إلى ما لا يريبه ، فلما أخبره بأن نفسه تتبعها وأنه لا صبر له عنها رأى مصلحة إمساكها أرجح من مفارقتها لما يكره من عدم انقباضها عمن يلمسها ، فأمره بإمساكها ، وهذا لعله أرجح المسالك ، والله أعلم . 
{ وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت : إن زوجي طلقني ، يعني ، ثلاثا ، وإني تزوجت زوجا غيره ، وقد دخل بي ، فلم يكن معه إلا مثل هدبة الثوب ، فلم يقربني إلا بهنة واحدة ، ولم يصل مني إلى شيء ، أفأحل لزوجي الأول  ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك وتذوقي عسيلته   } متفق عليه . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم أيضا عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها الرجل فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها  ، قال لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر   } ذكره  النسائي    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن التيس المستعار  فقال هو المحلل ثم قال لعن الله المحلل والمحلل له   } ذكره  ابن ماجه    . 
{ وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة عن كفر المنعمين  ، فقال لعل إحداكن أن تطول أيمتها بين يدي أبويها تعنس فيرزقها الله زوجا ويرزقها منه مالا وولدا ، فتغضب الغضبة ، فتقول : ما رأيت منه يوما خيرا قط   } ذكره  أحمد    . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث طليقات جميعا  ، فقام غضبان ، ثم قال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل فقال : يا رسول الله ألا أقتله   } ، ذكره  النسائي    . 
{ وطلق ركانة بن عبد يزيد أخو بني المطلب  امرأته ثلاثا في مجلس واحد ، فحزن عليها حزنا شديدا ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف طلقتها ؟ فقال : طلقتها ثلاثا ، فقال في مجلس واحد ؟ فقال : نعم ، قال إنما تلك واحدة فارجعها إن شئت قال : فراجعها  } ، فكان  ابن عباس  يروي إنما الطلاق عند كل طهر ، ذكر  أحمد  ، قال : حدثنا سعيد بن إبراهيم    . 
قال : حدثني أبي عن  محمد بن إسحاق  قال : حدثني  داود بن الحصين  عن عكرمة مولى ابن عباس  ، فذكره  وأحمد  يصحح هذا الإسناد ، ويحتج به ، وكذلك الترمذي    . 
وقد قال  عبد الرزاق    : أنبأنا  ابن جريج  قال : أخبرني بعض بني رافع  مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عكرمة  عن  ابن عباس  قال : { طلق عبد يزيد أبو ركانة  وإخوته أم ركانة  ، ونكح امرأة من مزينة  ، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت : ما يغني عني إلا كما تغني هذه الشعرة ، لشعرة أخذتها من رأسها ، ففرق بيني وبينه ، فأخذت النبي صلى الله عليه وسلم حميته ، فدعا بركانة  وإخوته ، ثم قال لجلسائه : أترون أن  [ ص: 267 ] فلانا يشبه منه كذا وكذا من عبد يزيد  ، وفلانا منه كذا وكذا ؟ قالوا : نعم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد يزيد    : طلقها ، ففعل ، فقال : راجع امرأتك أم ركانة  وإخوته ; فقال : إني طلقتها ثلاثا يا رسول الله ، قال قد علمت ، راجعها وتلا { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن    }   } . 
قال أبو داود    : حدثنا  أحمد بن صالح  قال حدثنا  عبد الرزاق  ، فذكره ، فهذه طريقة أخرى متابعة  لابن إسحاق  ، والذي يخاف من  ابن إسحاق  التدليس ، وقد قال " حدثني " وهذا مذهبه ، وبه أفتى  ابن عباس  في إحدى الروايتين عنه ، صح عنه ذلك ، وصح عنه إمضاء الثلاث موافقة  لعمر  رضي الله عنه ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أن الثلاث كانت واحدة في عهده وعهد  أبي بكر  وصدرا من خلافة  عمر  رضي الله عنهما ، وغاية ما يقدر مع بعده أن الصحابة كانوا على ذلك ولم يبلغه ، وهذا وإن كان كالمستحيل فإنه يدل على أنهم كانوا يفتون في حياته وحياة  الصديق  بذلك ، وقد أفتى هو صلى الله عليه وسلم به ، فهذه فتواه وعمل أصحابه كأنه أخذ باليد ، ولا معارض لذلك ، ورأى  عمر  رضي الله عنه أن يحمل الناس على إنفاذ الثلاث عقوبة وزجرا لهم لئلا يرسلوها جملة ، وهذا اجتهاد منه رضي الله عنه ، غايته أن يكون سائغا لمصلحة رآها ، ولا يوجب ترك ما أفتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته ; فإذا ظهرت الحقائق فليقل امرؤ ما شاء ، وبالله التوفيق . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم رجل ، قال : إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا  ، فقال تزوجها ; فإنه لا طلاق إلا بعد النكاح   } . 
{ وسئل صلى الله عليه وسلم عن رجل قال : يوم أتزوج فلانة فهي طالق  ، فقال طلق ما لا يملك   } ذكرهما  الدارقطني    . 
{ وسأله صلى الله عليه وسلم عبد فقال : إن مولاتي زوجتني ، وتريد أن تفرق بيني وبين امرأتي  ، فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال أقوام يزوجون عبيدهم إماءهم ، ثم يريدون أن يفرقوا بينهم ، ألا إنما يملك الطلاق من أخذ بالساق   } ذكره  الدارقطني    . 
				
						
						
