[ أثر اللوث في التشريع ] : أما الدماء ففي القسامة ، وأما الحدود ففي اللعان ، وأما الأموال ففي قصة الوصية في السفر ; فإن الله تعالى حكم بأنه إن اطلع على أن الشاهدين والوصيين ظلما وغدرا أن يحلف اثنان من الورثة على استحقاقهما ، ويقضي لهم ، وهذا هو الحكم الذي لا حكم غيره ; فإن اللوث إذا أثر في إراقة الدماء وإزهاق النفوس وفي الحدود فلأن يعمل به في المال بطريق الأولى والأحرى ، وقد حكم به نبي الله وللوث تأثير في الدماء والحدود والأموال سليمان بن داود في النسب مع اعتراف المرأة أنه ليس بولدها ، بل هو ولد الأخرى ، فقال لها : " هو ابنك " ومن تراجم على قصته : " التوسعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل كذا ليستبين به الحق " ثم ترجم عليه ترجمة أخرى فقال : " الحكم بخلاف ما يعترف به المحكوم عليه إذا تبين للحاكم أن الحق غير ما اعترف به " وهذا هو العلم استنباطا [ ص: 283 ] ودليلا ، ثم ترجم عليه ترجمة ثالثة فقال : " نقض الحاكم ما حكم به من هو مثله أو أجل منه " . النسائي
قلت : وفيه رد لقول من قال : يكون بينهما ، إجراء للنسب مجرى المال ، وفيه أن حكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته في الباطن ، وفيه نوع لطيف شريف عجيب من أنواع العلم النافع ، وهو الاستدلال بقدر الله على شرعه ; فإن سليمان عليه السلام استدل بما قدره الله وخلقه في قلب الصغرى من الرحمة والشفقة بحيث أبت أن يشق الولد ، على أنه ابنها ، وقوى هذا الاستدلال رضا الأخرى بأن يشق الولد ، وقالت : نعم شقه ، وهذا قول لا يصدر من أم ، وإنما يصدر من حاسد يريد أن يتأسى بصاحب النعمة في زوالها عنه كما زالت عنه هو ، ولا أحسن من هذا الحكم وهذا الفهم ، وإذا لم يكن مثل هذا في الحاكم أضاع حقوق الناس ، وهذه الشريعة الكاملة طافحة بذلك .