فصل . [ كراهة العلماء ] وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى ، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره : فإذا رأى بها قد تعينت عليه بذل التسرع في الفتوى
اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى . وقال : حدثنا عبد الله بن المبارك سفيان عن عن عطاء بن السائب قال : أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أراه قال في المسجد ، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا [ ص: 28 ] عبد الرحمن بن أبي ليلى
وقال الإمام : حدثنا أحمد جرير عن عن عطاء بن السائب قال : أدركت عشرين ومائة من عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه ، ولا يحدث حديثا إلا ود أن أخاه كفاه .
وقال عن مالك يحيى بن سعيد إن أخبره عن بكير بن الأشج معاوية بن أبي عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير ، فجاءهما وعاصم بن عمر محمد بن إياس بن البكير فقال : إن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا فماذا تريان ؟ فقال : إن هذا الأمر ما لنا فيه قول ، فاذهب إلى عبد الله بن الزبير عبد الله بن عباس فإني تركتهما عند وأبي هريرة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ائتنا فأخبرنا ، فذهبت فسألتهما فقال عائشة ابن عباس : أفته يا لأبي هريرة فقد جاءتك معضلة ، فقال أبا هريرة : الواحدة تبينها ، والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره . أبو هريرة
وقال عن مالك يحيى بن سعيد قال : قال : إن كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون ، قال ابن عباس : وبلغني عن مالك مثل ذلك ، رواه ابن مسعود عن ابن وضاح عن يوسف بن عدي عن عبد بن حميد عن الأعمش شقيق عن عبد الله ، ورواه عن حبيب بن أبي ثابت أبي وائل عن عبد الله .
وقال : أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما ، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه . سحنون بن سعيد
قلت : الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم ومن غزارته وسعته ، فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم ، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه ، ولهذا كان من أوسع الصحابة فتيا ، وقد تقدم أن فتاواه جمعت في عشرين سفرا ، وكان ابن عباس أيضا ، واسع الفتيا ، وكانوا يسمونه كما ذكر سعيد بن المسيب عن ابن وهب محمد بن سليمان المرادي عن قال : كنت أرى الرجل في ذلك الزمان وإنه ليدخل يسأل عن الشيء فيدفعه الناس عن مجلس إلى مجلس حتى يدفع إلى مجلس أبي إسحاق كراهية للفتيا ، قال : وكانوا يدعونه سعيد بن المسيب . سعيد بن المسيب الجريء
وقال سحنون : إني لأحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء ، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب قبل الخبر ؟ فلم ألام على حبس الجواب ؟ وقال : حدثنا ابن وهب أشهل بن حاتم عن عن عبد الله بن عون قال : قال ابن سيرين : إنما يفتي الناس أحد ثلاثة : من يعلم ما نسخ من القرآن ، أو أمير لا يجد بدا ، أو أحمق متكلف ، قال : فربما قال حذيفة : فلست بواحد من هذين ، ولا أحب أن أكون الثالث ابن سيرين