[ ] فتوى الصحابة والرسول حي تبليغ عنه
الوجه السادس والخمسون : قولكم : " كان الصحابة يفتون ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرهم ، وهذا تقليد من المستفتين لهم " وجوابه أن فتواهم إنما كانت تبليغا عن الله [ ص: 178 ] ورسوله ، وكانوا بمنزلة المخبرين فقط ، لم تكن فتواهم تقليدا لرأي فلان وفلان وإن خالفت النصوص ; فهم لم يكونوا يقلدون في فتواهم ، ولا يفتون بغير النصوص ، ولم يكن المستفتون لهم يعتمدون إلا على ما يبلغونهم إياه عن نبيهم فيقولون : أمر بكذا ، وفعل كذا ، ونهى عن كذا ، هكذا كانت فتواهم ; فهي حجة على المستفتين كما هي حجة عليهم ، ولا فرق بينهم وبين المستفتين لهم في ذلك إلا في الواسطة بينهم وبين الرسول وعدمها ، والله ورسوله وسائر أهل العلم يعلمون أنهم وأن مستفتيهم لم يعلموا إلا بما علموه عن نبيهم وشاهدوه وسمعوه منه ، هؤلاء بواسطة وهؤلاء بغير واسطة ، ولم يكن فيهم من يأخذ قول واحد من الأمة يحلل ما حلله ويحرم ما حرمه ويستبيح ما أباحه ، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من أفتى بغير السنة منهم ، كما أنكر على أبي السنابل وكذبه ، وأنكر على من أفتى برجم الزاني البكر ، وأنكر على من أفتى باغتسال الجريح حتى مات ، وأنكر على من أفتى بغير علم كمن يفتي بما لا يعلم صحته ، وأخبر أن إثم المستفتي عليه ، فإفتاء الصحابة في حياته نوعان : أحدهما : كان يبلغه ويقرهم عليه ، فهو حجة بإقراره لا بمجرد إفتائهم ، الثاني : ما كانوا يفتون به مبلغين له عن نبيهم ، فهم فيه رواة لا مقلدون ولا مقلدون .