[ هل للمفتي أن يفتي بالقول الذي رجع عنه إمامه ؟    ] الفائدة الثانية والخمسون :   ( أتباع الأئمة يفتون كثيرا بأقوالهم القديمة التي رجعوا عنها )  ، وهذا موجود في سائر الطوائف ; فالحنفية يفتون بلزوم المنذورات التي مخرجها  [ ص: 184 ] مخرج اليمين كالحج والصوم والصدقة ، وقد حكوا هم عن  أبي حنيفة  أنه رجع قبل موته بثلاثة أيام إلى التكفير ، والحنابلة يفتي كثير منهم بوقوع طلاق السكران ، وقد صرح الإمام  أحمد  بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع كما تقدم حكايته ، والشافعية يفتون بالقول القديم في مسألة التثويب ، وامتداد وقت المغرب ، ومسألة التباعد عن النجاسة في الماء الكثير ، وعدم استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين ، وغير ذلك من المسائل ، وهي أكثر من عشرين مسألة ، ومن المعلوم أن القول الذي صرح بالرجوع عنه لم يبق مذهبا له ، فإذا أفتى المفتي به مع نصه على خلافه لرجحانه عنده لم يخرجه ذلك عن التمذهب بمذهبه ، فما الذي يحرم عليه أن يفتي بقول غيره من الأئمة الأربعة وغيرهم إذا ترجح عنده ؟ فإن قيل : الأول قد كان مذهبا له مرة ، بخلاف ما لم يقل به قط . 
قيل : هذا فرق عديم التأثير ; إذ ما قال به وصرح بالرجوع عنه بمنزله ما لم يقله ، وهذا كله مما يبين أن أهل العلم لا يتقيدون بالتقليد المحض الذي يهجرون لأجله قول كل من خالف من قلدوه . 
وهذه طريقة ذميمة وخيمة ، حادثة في الإسلام ، مستلزمة لأنواع من الخطأ ، ومخالفة الصواب ، والله أعلم . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					