[ ] قياس الصحابة في الجد مع الإخوة
وقال : حدثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عيسى بن أبي عيسى الحناط عن الشعبي قال : كره الكلام في الجد حتى صار جدا ، وقال : إنه كان من رأي عمر أن الجد أولى من الأخ ، وذكر الحديث ، وفيه : فسأل عنها أبي بكر فضرب له مثلا بشجرة خرجت ولها أغصان ، قال : فذكر شيئا لا أحفظه ، فجعل الثلث . زيد بن ثابت
قال : وبلغني أنه قال : يا أمير المؤمنين ، شجرة نبتت ، فانشعب منها غصن ، فانشعب من الغصن غصنان ، فما جعل الغصن الأول أولى من الغصن الثاني ، وقد خرج الغصنان من الغصن الأول ؟ قال : ثم سأل الثوري ، فضرب له مثلا واديا سال فيه سيل فجعله أخا فيما بينه وبين ستة ، فأعطاه السدس ، وبلغني أن عليا - كرم الله وجهه - حين سأله عليا جعله سيلا ، قال : فانشعب منه شعبة ، ثم انشعبت شعبتان ، فقال : أرأيت لو أن هذه الشعبة الوسطى تيبس أما كانت ترجع إلى الشعبتين جميعا ؟ قال عمر الشعبي : فكان يجعله أخا حتى يبلغ ثلاثة هو ثالثهم ، فإن زادوا على ذلك أعطاه الثلث ، وكان زيد يجعله أخا ما بينه وبين ستة وهو سادسهم ، ويعطيه السدس ، فإن زادوا على ستة أعطاه السدس ، وصار ما بقي بينهم . علي
وقال القاضي : حدثنا إسماعيل بن إسحاق حدثني إسماعيل بن أبي أويس عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أخبرني عن أبيه أن خارجة بن زيد بن ثابت لما استشار في ميراث الجد والإخوة قال عمر بن الخطاب : وكان رأيي يومئذ أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد ، زيد يرى يومئذ أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته ، فتحاورت أنا وعمر بن الخطاب محاورة شديدة ، فضربت له في ذلك مثلا ، فقلت : لو أن شجرة تشعب من أصلها غصن ثم تشعب في ذلك الغصن خوطان ذلك الغصن يجمع الخوطين دون الأصل ويغذوهما ، ألا ترى يا أمير المؤمنين أن أحد الخوطين أقرب إلى أخيه منه إلى الأصل ؟ قال وعمر : فأنا أعذله وأضرب له هذه الأمثال وهو يأبى إلا أن الجد أولى من الإخوة ، ويقول : والله لو أني قضيته [ ص: 163 ] اليوم لبعضهم لقضيت به للجد كله ، ولكن لعلي لا أخيب منهم أحدا ، ولعلهم أن يكونوا كلهم ذوي حق . زيد
وضرب علي وابن عباس يومئذ مثلا معناه لو أن سيلا سال فخلج منه خليج ، ثم خلج من ذلك الخليج شعبتان . ورأي لعمر أولى من هذا الرأي وأصح في القياس ، لعشرة أوجه ليس هذا موضع ذكرها . الصديق
والجواب عن هذه الأمثلة : أن المقصود أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملون القياس في الأحكام ، ويعرفونها بالأمثال والأشباه والنظائر ولا يلتفت إلى من يقدح في كل سند من هذه الأسانيد وأثر من هذا الآثار ، فهذه في تعددها واختلاف وجوهها وطرقها جارية مجرى التواتر المعنوي الذي لا يشك فيه ، وإن لم يثبت كل فرد من الإخبار به .
وقال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرني ابن جريج عمرو ، قال : أخبرني حيي بن يعلى بن أمية أنه سمع أباه يقول ، وذكر قصة الذي قتلته امرأة أبيه وخليلها ، أن رضي الله عنه كتب إلي أن اقتلهما فلو اشترك فيه أهل عمر بن الخطاب صنعاء كلهم لقتلتهم ، قال : فأخبرني ابن جريج عبد الكريم وأبو بكر قالا جميعا : إن كان يشك فيها حتى قال له عمر : يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفرا اشتركوا في سرقة جزور ، فأخذ هذا عضوا وهذا عضوا ، أكنت قاطعهم ؟ قال : نعم ، قال : وذلك حين استخرج له الرأي . علي
[ بين ابن عباس والخوارج ]
وقال عن عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عمن حدثه عن بكير بن الأشج قال : أرسلني ابن عباس إلى علي الحرورية لأكلمهم ، فلما قالوا : " لا حكم إلا لله " قلت : أجل ، صدقتم ، لا حكم إلا لله ، وإن الله حكم في رجل وامرأته ، وحكم في قتل الصيد ; فالحكم في رجل وامرأته والصيد أفضل أم الحكم في الأمة يرجع بها ، ويحقن دماءها ، ويلم شعثها ؟
وقال : حدثنا عبد الله بن المبارك ثنا عكرمة بن عمار سماك الحنفي قال : سمعت يقول : قال ابن عباس : لا تقاتلوهم حتى يخرجوا ، فإنهم سيخرجون ، قال : قلت : يا أمير المؤمنين أبرد بالصلاة فإني أريد أن أدخل عليهم فأسمع من كلامهم وأكلمهم ، فقال علي : أخشى عليك منهم ، قال : وكنت رجلا حسن الخلق لا أوذي أحدا ، قال : فلبست أحسن ما يكون من اليمنية وترجلت ثم دخلت عليهم وهم قائلون ، فقالوا لي : ما هذا اللباس ؟ فتلوت عليهم القرآن : { علي قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } [ ص: 164 ] ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن ما يكون من اليمنية ، فقالوا لا بأس ، فما جاء بك ؟ فقلت : أتيتكم من عند صاحبي ، وهو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وختنه ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي منكم ، وعليهم نزل القرآن ، أبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم ، فما الذي نقمتم ؟ فقال بعضهم : إن قريشا قوم خصمون ، قال الله - عز وجل - : { بل هم قوم خصمون } . فقال بعضهم : كلموه ، فانتحى لي رجلان منهم أو ثلاثة ، فقالوا : إن شئت تكلمت وإن شئت تكلمنا ، فقلت : بل تكلموا ، فقالوا : ثلاث نقمناهن عليه ، جعل الحكم إلى الرجال وقال الله : { إن الحكم إلا لله } ، فقلت : قد جعل الله الحكم من أمره إلى الرجال في ربع درهم في الأرنب وفي المرأة وزوجها : { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } ، أفخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم ، قالوا : وأخرى محا نفسه أن يكون أمير المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين فأمير الكافرين هو ، فقلت لهم : أرأيتم إن قرأت من كتاب الله عليكم وجئتكم به من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أترجعون ؟ قالوا : نعم ، قلت : قد سمعتم أو أراه قد بلغكم ، أنه لما كان يوم الحديبية جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم سهيل بن عمرو : اكتب : هذا ما صالح عليه لعلي محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " امح يا لعلي أفخرجت من هذه ؟ قالوا : نعم ، قال : وأما قولكم قتل ولم يسب ولم يغنم أفتسبون أمكم وتستحلون منها ما تستحلون من غيرها ؟ فإن قلتم نعم فقد كفرتم بكتاب الله وخرجتم من الإسلام ، فأنتم بين ضلالتين ، وكلما جئتهم بشيء من ذلك أقول : أفخرجت منها : فيقولون : نعم ، قال : فرجع منهم ألفان وبقي ستة آلاف ، وله طرق عن علي " ، وقياسه المذكور من أحسن القياس وأوضحه . وقد أنكر ابن عباس على ابن عباس مخالفته للقياس في مسألة الجد والإخوة فقال : ألا يتقي الله زيد بن ثابت ؟ يجعل ابن الابن ابنا ولا جعل أب الأب أبا ؟ وهذا محض القياس . زيد
ولما خص أم الأم بالميراث دون أم الأب قال له بعض الصديق الأنصار : لقد ورثت امرأة من ميت لو كانت هي الميتة لم يرثها ، وتركت امرأة لو كانت هي الميتة ورث جميع ما تركت ، فشرك بينهما . قال : أخبرنا عبد الرزاق عن ابن عيينة يحيى بن سعيد عن قال : جاءت جدتان إلى القاسم بن محمد ، فأعطى الميراث أم الأم دون أم الأب ، فقال له رجل من أبي بكر الأنصار من بني حارثة يقال له عبد الرحمن بن سهل : يا خليفة رسول الله ، قد أعطيت الميراث التي لو ماتت لم يرثها ، فجعل الميراث بينهما .
[ ص: 165 ] ولما شهد وأصحابه على أبو بكرة بالحد ولم يكملوا النصاب حدهم المغيرة بن شعبة ، قياسا على القاذف ، ولم يكونوا قذفة بل شهودا ; وقال عمر عثمان : إن نتبع رأيك فرأيك أسد ، وإن نتبع رأي من قبلك فلنعم ذو الرأي كان . لعمر
وقال : اجتمع رأيي ورأي علي في بيع أمهات الأولاد أن لا يبعن ، ثم رأيت بيعهن ، فقال له قاضيه عمر : يا أمير المؤمنين رأيك مع رأي عبيدة السلماني في الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك في الفرقة . عمر
ولما أرسل إلى المرأة فأسقطت جنينها استشار الصحابة ، فقال له عمر عبد الرحمن بن عوف : إنما أنت مؤدب ولا شيء عليك ; وقال له وعثمان : أما المأثم فأرجو أن يكون محطوطا عنك ، وأرى عليك الدية ، فقاسه علي عثمان على مؤدب امرأته وغلامه وولده ، وقاسه وعبد الرحمن على قاتل الخطأ ، فاتبع علي قياس عمر . علي
ولما احتضر رضي الله عنه أوصى بالخلافة إلى الصديق رضي الله عنه ، وقاس ولايته لمن بعده إذ هو صاحب الحل والعقد على ولاية المسلمين له إذ كانوا هم أهل الحل والعقد ، وهذا من أحسن القياس عمر