الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
{ وسأله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة فقال : إن أمي ماتت وعليها نذر ، أفيجزي عنها أن أعتق عنها ؟ قال أعتق عن أمك } ذكره أحمد .

وعند مالك : { إن أمي هلكت فهل ينفعها أن أعتق عنها ؟ فقال نعم } .

{ واستفتته صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها ، فقالت : إني أردت أن أشتري جارية فأعتقها ، فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا ، فقال لا يمنعك ذلك ، إنما الولاء لمن أعتق } . والحديث في الصحيح ، فقالت طائفة : يصح الشرط والعقد ، ويجب الوفاء به ، وهو خطأ ، وقالت طائفة : يبطل العقد والشرط ، وإنما صح عقد عائشة لأن الشرط لم يكن في صلب العقد ، وإنما كان متقدما عليه ، فهو بمنزلة الوعد لا يلزم الوفاء به ، وهذا وإن كان أقرب من الذي قبله فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعلل به ، ولا أشار في الحديث إليه بوجه ما ، والشرط المتقدم كالمقارن ، وقالت طائفة : في الكلام إضمار تقديره : اشترطي لهم الولاء أو لا تشترطيه ، فإن اشتراطه لا يفيد شيئا ; لأن الولاء لمن أعتق ، وهذا أقرب من الذي قبله مع مخالفته لظاهر اللفظ ، وقالت طائفة : اللام بمعنى على ، أي اشترطي عليهم الولاء ; فإنك أنت التي تعتقين ، والولاء لمن أعتق ، وهذا وإن كان أقل تكلفا مما تقدم ففيه إلغاء الاشتراط ; فإنها لو لم تشترط لكان الحكم كذلك ، وقالت طائفة : هذه الزيادة ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هي من قول هشام بن عروة ، وهذا جواب الشافعي نفسه ، وقال شيخنا : بل الحديث على ظاهره ، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم باشتراط الولاء تصحيحا لهذا الشرط ، ولا إباحة له ، ولكن عقوبة لمشترطه ; إذ أبى أن يبيع جارية للمعتق إلا باشتراط ما يخالف حكم الله تعالى وشرعه ، فأمرها أن تدخل تحت شرطهم الباطل ليظهر به حكم الله ورسوله ; لأن الشروط الباطلة لا تغير شرعه ، وإن من شرط ما يخالف دينه لم يجز أن يوفى له بشرطه ، ولا يبطل البيع به ، وإن من عرف فساد الشرط وشرطه ألغي اشتراطه ولم يعتبر ، فتأمل هذه الطريقة وما قبلها من الطرق ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية