الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ومنها : أنا إذا وجدنا لفظة صالحة لمعنيين وجمعها بحسبهما مختلف علمنا أنها مجاز في أحدهما ، سواء علمنا أنها حقيقة في الآخر أم لا . ذكره الغزالي . فقال : إن تختلف صيغة الجمع على الاسم فيعلم أنه مجاز في أحدهما وسبقه إليه القاضي أبو بكر ، ومثله بلفظ الأمر فإنه حقيقة في القول المخصوص ، وجمعه بهذا المعنى " أوامر " ، وإذا أطلق على الفعل جمع على " أمور " وخالفه إمام الحرمين وابن برهان وصاحب " المعتمد " وغيرهم ; لأن اختلاف الجمع لا مدخل له في كون اللفظ حقيقة أو مجازا إلا أن يدعي فيه استقراء ، فيمكن الاستدلال به حينئذ ، وقد يتحد الجمع مع اختلاف الحقيقة والمجاز كالحمر جمع حمار ، والأسد جمع للرجل وغيره ، وقد يختلف مع كونه حقيقة فيهما كاليد ، فإنها حقيقة في النعمة والجارحة على قول ، وجمع النعمة على أياد ، وجمع الجارحة على أيد .

                                                      قيل : وعلى من اعتبر هذه العلامة سؤال ، فإنه إذا اعتبرنا اختلاف الجمع وجعله مع اتحاد المفرد دليلا على اختلاف المعنى ، فهلا فعل ذلك عند اختلاف المصدر مع اتحاد الفعل مثل شعر ، فإنه مشترك بين العلم والنظم ، ومصدره ، في النظم شعر وفي العلم شعور ، وكذلك اختلاف الفعل في الحركات مع اتحاد المصدر ، فكان ينبغي أن يجعل اختلاف أحدهما دليلا على [ ص: 121 ] أن الآخر مجاز في أحد المعنيين ، بل هذا أولى ; لأن المصدر والفعل بينهما تلازم باعتبار أن أحدهما فرع الآخر ، فإما أن يكون المصدر فرع الفعل أو بالعكس على اختلاف العلماء . بخلاف الجمع فإنه ليس فرع المفرد بل بمثابة تكراره ، فكان ينبغي أن يقول : شعر مجاز في أحد معنييه لاختلاف المصدر كما أن الأمر مجاز في أحد المعنيين لاختلاف الجمع . وقال ابن التلمساني في تعليقه على " المنتخب " : والحق أن اختلاف الجمع لا يدل مطلقا إلا بزيادة قيد ، وهو أن يقال مثلا : أجمعنا على أن لفظ الأمر إذا أطلق على الصيغة الدالة على طلب الفعل على جهة الاستعلاء حقيقة ، وأنه يجمع على أوامر ، فإذا أطلق على الفعل جمع على أمور فخولف به جمع الحقيقة ، فقد عدل به عن الحقيقة ، وما عدل به عن الحقيقة يكون مجازا ، وهذا إنما ذكرناه للتمثيل ، وإلا فالأمر لا يجمع على أوامر قياسا ، وإنما هو جمع آمرة كفاطمة وفواطم ، وتسمية الصيغة أمرا مجاز .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية