الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      ومنها : أن الحقيقة يجب اطرادها في سائر المواضع التي ثبت فيها معناها إلا لمانع ومعنى ذلك أنا إذا سمينا إنسانا بضارب لوقوع الضرب منه أو محلا بأنه أسود لحلول السواد فيه وجب أن يسمى كل من صدر منه الضرب بأنه ضارب ، وكل من ماحله السواد واتصف به بأنه أسود ، وإلا لانتقض قولنا : إنه سمي ضاربا لوقوع الضرب منه بخلاف المجاز . فإنه لا يجب اطراده ، بل يقر حيث ورد ، فلا يستعمل إلا فيما استعمله أهل اللغة فيه أو في نظيره ، فكما يستدل بالاطراد على الحقيقة يستدل بعدم الاطراد على [ ص: 119 ] المجاز كالنخلة للإنسان الطويل ، فلا يقال لكل طويل : نخلة كذا ذكره جماعة منهم الغزالي وابن برهان . وقيده الهندي بأمرين : أحدهما : الوجوب أي يجب كون الحقيقة جارية على الاطراد لئلا يرد المجاز المطرد نقضا على طرده ، فإنه ، وإن كان مطردا ، لكنه لا يجب طرده بدليل عدم اطراد مثله في المجاز . وثانيهما : بشرط عدم المانع أي : يجب أن تكون مطردة إن لم يمنع مانع شرعي أو عقلي أو لغوي ، لئلا يرد مثل السخي والفاضل بالنسبة إلى الله - تعالى - نقضا على عكسه ، ا هـ .

                                                      وممن ذكر أن علامة الحقيقة الاطراد دون المجاز القاضي أبو بكر فيما نقله إمام الحرمين عنه في " التلخيص " ، ثم قال : وهو سديد إلا أنه لا يقتضي كبير معنى ، فإن الأصل في الحقائق نتبع أصل الوضع ، وفي المجاز نتبع استعمال أهل اللغة ، وإنما سمي كل من صدر عنه الضرب ضاربا بالاتباع لا بالقياس . وحكاه أبو الحسين في " المعتمد " عن بعضهم ، ثم قال : والصحيح أن نفس الاطراد من غير منع دليل على أن الاسم مجاز ; لأنه قد ثبت وجوب اطراد الاسم في حقيقته ، واطراده لا يدل على أنه حقيقة ; لأن المجاز وإن لم يجب اطراده فلا يمنع مانع من اطراده . وقيل : ليس الاطراد من علامات الحقيقة ، فإن من المجاز ما قد يطرد كإطلاق اسم الكل على الجزء ونحوه .

                                                      [ ص: 120 ] وقال إلكيا الهراسي : الخلاف في هذه مبني على أن الحقائق تقاس عليها قال : وفيه نظر ; لأنا قد بينا أن لا قياس في اللغة أصلا ، فلا يسمى من صدر منه الضرب ضاربا قياسا ، ولكن توقيفا ، ولو ثبت الاطراد في المجاز نقلا طردناه .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية