الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ ص: 78 ] العلاقة العاشرة [ اعتبار ما يئول إليه ] : : تسمية الشيء باعتبار ما يئول إليه ، إما بالفعل كإطلاق الخمر على العنب ، أو بالقوة كإطلاق المسكر على الخمر إن بقيت . قيل : وشرطه أن يكون آيلا بنفسه ليخرج العبد ، فإنه لا يطلق عليه حر باعتبار ما يئول إليه ، وفي " تعليق الخلاف " لإلكيا الهراسي : إنما يسمى الشيء باعتبار ما يئول إليه إذا كان المآل مقطوعا بوجوده كالقيامة لا بد منها ، والموت لا بد من نزوله ، فيبطل تأويل الحنفية : فنكاحها باطل على أنه سيبطل ، وللولي أن يرده ويفسخه . وذكر ابن يحيى في تعليقه " نحوه ، فقال : إذا كان المآل مقطوعا به نحو { إنك ميت وإنهم ميتون } أو غالبا لا نادرا كتأويل الحنفية . وهاهنا تنبيهات أحدها أن منهم من اكتفى عن هذه العلاقة بالسابعة أعني بعلاقة الاستعداد وهو ظاهر تمثيل ابن الحاجب والإمام في " المحصول " . والحق : تغايرهما : ; لأن المستعد للشيء قد لا يئول إليه ، بل هو مستعد له ولغيره كما أن العصير قد لا يئول إلى الخمرية ، وإن كان مستعدا لها ولغيرها .

                                                      [ ص: 79 ] الثاني : أن هذه والتي قبلها لا بد من تقييدهما ; لأن إطلاق اسم الشيء باعتبار ما كان عليه أو بما سيئول إليه تارة يقدر أن تلك الصفة لكونها كانت أو ستكون كأنها موجودة ، ويتخيل ذلك فهذه استعارة ، وهو من القسم المسمى بالمشابهة في الصفة ، وتارة لا يتخيل ذلك ، بل يطلق ذلك الاسم لكونه كان ، أو سيكون من غير تخيل هذه الصفة موجودة ، وهو مراد الأصوليين .

                                                      الثالث : أنه إذا وقع التعارض بين هذه العلاقة وبين التي قبلها أعني باعتبار ما كان ، فالأولى أولى ، لكونه وصفا بأمر محقق ; لأنه وصف بما وقع بخلاف هذه ، ولهذا اختلفوا في الأولى هل هي حقيقة ؟ واتفقوا في الثانية على أنه مجاز . وقال بعضهم : المعتبر في المجاز باعتبار ما كان حصول المعنى الحقيقي للمسمى المجازي في الزمان السابق على حالة اعتبار الحكم إلى زمان وقوع النسبة ، وفي المجاز باعتبار ما يئول حصوله في الزمان اللاحق ، ويمتنع فيهما حصوله في زمان اعتبار الحكم ، وإلا لكان المسمى من أفراد الموضوع له ، فيكون اللفظ فيه حقيقة لا مجازا ، ففي مثل : { وآتوا اليتامى أموالهم } و { أعصر خمرا } وضع الكلام على أن يكون حقيقة اليتم حاصلة لهم وقت إيتاء المال إياهم ، وحقيقة الخمر حاصلة له حال العصير ، فلو حصل المعنى الحقيقي في هذه الحال كما هو مقتضى وضع الكلام لم يكن اللفظ مجازا بل حقيقة ، فيجب أن يكون الحصول في زمان سابق ، ليكون مجازا باعتبار ما كان ، أو لاحق ليكون مجازا باعتبار ما يئول .

                                                      هذا بالنسبة إلى الاسم ، وأما في الفعل إذا أطلق المستقبل وأريد به الماضي أو عكسه ، فالمراد باللفظ نفس الفعل ، وبالزمان زمان ما يدل عليه الفعل بهيئته ، فإذا قلنا : يكتب مجازا عن كتب باعتبار ما كان بمعنى حصول [ ص: 80 ] المعنى الحقيقي للمسمى أو جوهر الحروف وهو الحدث حاصل للمسمى في زمان سابق على الزمان الذي هو مدلول الفعل أعني الحال والاستقبال ، إذ لو كان حاصلا له في ذلك الزمان لكان الفعل حقيقة لا مجازا ، وإذا قلنا : كتب زيد مجازا عن يكتب باعتبار ما يئول إليه بمعنى حصول الفعل الحقيقي للمسمى أن الحدث حاصل له في زمان لاحق متأخر عن الزمان الماضي الذي يدل عليه الفعل بهيئته ، إذ لو كان حاصلا في الزمان الماضي لكان الفعل حقيقة لا مجازا ، والزمان الذي يحصل فيه المعنى الحقيقي المسمى في الصورتين مغاير للزمان الذي وضع لفظ الفعل له لحصول الحدث فيه ، وهذا فيه نظر ، فإنه ليس مدلوله المسمى المطلق عليه لفظ المجاز الذي هو لفظ الفعل ، وإنما المدلول المجازي هو الحدث المقارن بزمان سابق أو لاحق ، فالأحسن أن يقال : إن التعبير عن الماضي بالمضارع ، وعكسه من باب الاستعارة بتشبيه غير الحاصل بالحاصل في تحقيق وقوعه ، وتشبيه الماضي بالحاضر في كونه نصب العين ثم استعير لفظ أحدهما للآخر .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية