مسألة [ ] أما الأمر المعلق بشرط أو صفة أو وقت ، نحو إن كان زانيا فارجمه ، { الأمر المعلق بشرط أو صفة أو وقت والسارق والسارقة فاقطعوا } { أقم الصلاة [ ص: 317 ] لدلوك الشمس } فهل يقتضي تكرار المأمور به بتكرارها ؟ من قال : الأمر المطلق يقتضي التكرار فهاهنا أولى ، وهو عندكم آكد التكرار من المجرد ، ومن قال : لا يقتضيه ، ثم اختلفوا هاهنا على وجهين . حكاه الصيرفي وابن القطان في أصولهم . وحرر والشيخ أبو حامد الإسفراييني الآمدي وابن الحاجب والهندي محل النزاع المعلق إما أن يثبت كونه علة لوجوب الفعل مثل { الزانية والزاني فاجلدوا } وقولنا : إن كان هذا المائع خمرا فهو حرام فإن الحكم يتكرر بتكرره اتفاقا من القائلين بالقياس ، وإن لم يثبت كونه علة بل توقف الحكم عليه من غير تأثير له كالإحصان الذي يتوقف عليه الرجم ، فهو محل الخلاف . انتهى .
وبه صرح صاحب الكبريت الأحمر " ، وهو قضية كلام أبي الحسين في المعتمد فإنه قال : المراد هنا بالصفة ما علق به الحكم من غير أن يتناول لفظ تعليل ولا شرط ، كقوله : { فتحرير رقبة } { والسارق والسارقة } وجزم بعد ذلك بالتفصيل المذكور . وقضية كلام الإمام فخر الدين جريان الخلاف مطلقا ، وقد يجمع [ ص: 318 ] بينهما بأن الآمدي فرض الكلام مع القائلين بأن ترتيب الحكم على الوصف يفيد العلية ، والإمام تكلم في أصل المسألة مع المخالف في الموضعين .
والحاصل : أن المعلق على سبب ، ك { أقم الصلاة لدلوك الشمس } و { اقطعوا } ، و { اجلدوا } في الآيتين يتكرر بتكرره اتفاقا ، والمعلق على شرط هو موضع الخلاف . وأما تكرار الأمر بالتطهير بتكرر الجنابة ، وتكرار الأمر بالوضوء بتكرر القيام إلى الصلاة ، فيرجع إما إلى السببية ، أو بدليل من خارج ، ويعرف السبب بمناسبته ، أو بعدم دخول أداة الشرط عليه . وجعل الغزالي موضع الخلاف في العلة الشرعية . قال : فأما العقلية فإن الحكم يتكرر بتكررها اتفاقا . ثم في المسألة مذاهب : أحدها : أنه لا يقتضي التكرار ، وإنما يقتضي فعل مرة إلا أن يقوم دليل على التكرار . قال : إنه أنظر القولين ، وقال أبو بكر الصيرفي : إنه الأصح . وقال ابن فورك الشيخ أبو إسحاق وابن السمعاني في القواطع والشيخ أبو حامد الإسفراييني وسليم الرازي وإلكيا الطبري : إنه الصحيح كالمطلق ، ونقله في المعتمد " عن أكثر الفقهاء ، وكذا قاله صاحب المصادر " وزاد أبا حنيفة وأبا عبد الله البصري ، وقال السرخسي من الحنفية : إنه المذهب الصحيح ، ونقله في الملخص " عن أكثر الفقهاء من المالكية والشافعية [ ص: 319 ] والأصوليين ، وربما نسب . قال للشافعي أبو الحسين بن القطان : لأنه قال فيما لو : إنها تطلق بكل دخلة ، ولو قال : إذا دخلت الدار فأنت طالق ، وإذا طلعت الشمس فأنت طالق أن ذلك يحمل على فعل مرة واحدة ، ففرق بين " إذا " و " كلما " وهذا موضع اللسان ، فدل على أن إحداهما للتكرار ، والأخرى لا تقتضيه ، واختار هذا قال لامرأته : كلما دخلت الدار فأنت طالق الآمدي . والثاني : أنها تقتضيه كالنهي قال وابن الحاجب ابن القطان : قال أصحابنا : وهو أشبه بمذهب ; لأنه قال في التيمم لكل صلاة : لما قال الله تعالى : { الشافعي يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم } وكل من قام وجب عليه الوضوء .
قال : فلما توضأ النبي صلى الله عليه وسلم للصلوات وضوءا واحدا دلنا على أن المراد من ذلك في الطهارة بالماء ، وبقي في التيمم في الظاهر ، ولأنه يقول بالعموم ، وهذا عام في سائر الأوقات . قال : خرجها على وجهين ، ثم قال : والأقيس أنه لا يتكرر ، والأظهر على المذاهب : التكرار . انتهى . وقوله : والأظهر هو من كلام وأبو بكر كما رأيته في كتابه فاعلمه . وحكى هذا الاستدلال أبي بكر الصيرفي شمس الأئمة السرخسي ورده بأن المراد بقوله [ ص: 320 ] تعالى : { إذا قمتم إلى الصلاة } أي : محدثين باتفاق المفسرين ، وعلى هذا يستوي حكم الطهارة بالماء والتيمم وقال : ما تعلقوا به من احتجاج ابن فورك في التيمم فلا حجة فيه ; لأن وجوب تكرير التيمم لا يصلح الاستدلال عليه بذلك إلا بعد أن يصح وجوب تكرير الصلاة فيجرى أمر التيمم على ما يجرى عليه أمرها . والثالث : إن كان الشرط مناسبا لترتب الحكم عليه بحيث يكون علته ، كقوله تعالى : { الشافعي والسارق والسارقة فاقطعوا } وكآية القذف ونحوه ، فإنه يتكرر بتكرره للاتفاق على أن الحكم المعلل يتكرر بتكرارها وإن لم يكن كذلك لم يتكرر إلا بدليل من خارج . والرابع : أنه لا يدل عليه من جهة اللفظ ; لأنه لم يوضع اللفظ له ولكن يدل من جهة القياس بناء على الصحيح أن ترتب الحكم على الوصف يشعر بالعلية ، واختاره في المحصول " في المنهاج " والخامس : أن والبيضاوي ، والمعلق بصيغة يقتضيه من طريق القياس ، وهو قضية كلام المعلق بشرط لا يقتضي التكرار القاضي في مختصر التقريب " وقال إمام الحرمين في التلخيص " : الذي يصح وارتضاه القاضي أن الأمر المقيد بشرط لا يتضمن تكرار الامتثال عند تكرر الشرط ، وإنما يقتضي مرة واحدة ، وهو على الوقف فيما عداها ، وصرح بعد ذلك بالتكرار في العلية .
واعلم أنه كما فصل الآمدي في الصيغة التفصيل السابق فصل في الشرط ، فقال : إن اقتضى التكرار ، نحو كلما جاءك ومتى ما جاءك فأعطه ، فإنه يقتضي التكرار بحكم القرينة ، وإن لم يقتضه فلا تخرج صيغته عن موضوعها الأصلي . القرطبي
[ ص: 321 ] قال إلكيا الهراسي : منشأ الخلاف أن إضافة الحكم إلى الشرط هل تدل على فعل الشرط مؤثرا كالعلة ؟ والصحيح : أنه لا يدل إلا على كونه أمارة على جواز الفعل ، والعلة وضعت مؤثرة جالبة ، والخصم يقول : ما يضاف الحكم إليه يدل على كونه مناطا للحكم . هذا كله في الأدلة الشرعية ، وأما في تصرف المكلفين فلا يقتضي تكرارا لمجرده ، وإن كان علة فإنه لو لم يعتقوا قطعا ، والشرط أولى كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق ، فإذا دخلت مرة وقع المعلق عليه ، وانحلت اليمين ، ثم لا يتعدد بتكرر المعلق عليه إلا في " كلما " ، ومنه يتبين فساد قول بعضهم : ينبغي أن يجري فيه هذا الخلاف الأصولي . قال : أعتقت غانما لسواده ، وله عبيد آخرون سود