مسألة [ ] ووقع في القرآن على الأصح ، كقوله تعالى : { المجاز في القرآن جدارا يريد أن ينقض } { لما طغى الماء } وقد صنف شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام كتابا حافلا في ذلك ، وبه قال جمهور الفقهاء منهم ، فإنه قال في قوله تعالى : { أحمد بن حنبل إنني معكما أسمع وأرى } هذا من مجاز اللغة ، يقول الرجل للرجل : سنجري عليك رزقك . إنا نشتغل بك . ومنعه آخرون ، ونسبه الغزالي في المنخول " إلى الحشوية .
[ ص: 47 ] قال ابن القشيري : وحكي عن الأستاذ أيضا ، وقال ابن برهان : والأستاذ أبو إسحاق إذا أنكر المجاز في اللغة ، فلأن ينكره في القرآن من طريق أولى ، لأن القرآن إنما نزل بلغتهم . قلت : وكذا حكاه ابن برهان في " شرح الإرشاد " عن الأستاذ وابن خويز منداد وهو قول أبي العباس بن القاص من أصحابنا فيما حكاه العبادي في الطبقات ، وحكوه عن وابنه ، وحكاه داود الظاهري عن أبو الوليد الباجي ابن خويز منداد من المالكية ، وإليه ذهب في " أحكام القرآن " . وحكاه منذر بن سعيد البلوطي أبو عبد الله الصيمري من الحنفية في كتابه في الأصول عن أبي مسلم بن يحيى الأصفهاني . وقال من الحنابلة عن القاضي أبو يعلى أبي الفضل التميمي : إنه حكاه في كتابه " الأصول " عن أصحابهم ، ولذلك قال في أصوله " أبو حامد ، لكن المنصوص عن ليس في القرآن مجاز خلافه . وقيل : إنما أنكرت أحمد الظاهرية مجاز الاستعارة ، ونقله صاحب " الكبريت الأحمر " عن أبي الفتح المراغي .
[ ص: 48 ] وشبهتهم : أن المتكلم لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وهو مستحيل على الله - تعالى ، وهذا باطل ، ولو وجب خلو القرآن من المجاز لوجب خلوه من التوكيد وتثنية القصص والإشارات إلى الشيء دون النص ، ولو سقط المجاز من القرآن ذهب شطر الحسن . وقولهم : إن المجاز لا يستعمل إلا عند الحاجة ممنوع ، بل قد يراد به امتحان العلماء وإتعاب خواطرهم وحد فكرهم باستخراجه ، وطلب معانيه لرفع درجاتهم وإكرام منازلهم كما في الخطاب بالمجمل والمشترك والمتشابه وغيره من الأشياء التي فيها أمارة الحكم على وجه خفي . وقال القاضي في " مختصر التقريب " : يلزم من إثبات المجاز في اللغة إثباته في القرآن ونحوه قول : من أنكر المجاز في القرآن ، فقد قال : إن القرآن نزل بلسان غير عربي ; لأن في اللسان العربي مجازا وحقيقة ، والقرآن نزل على لغتهم ، ومن نازع في إعطاء التسمية ; لأنه مجاز واستعارة ، فقد نازع في اللفظ مع تسليم المعنى المطلوب . ابن فورك
قال : واستدل الشيخ أبو إسحاق ابن سريج على أبي بكر بن داود بقوله تعالى : { لهدمت صوامع وبيع وصلوات } فقال : الصلوات لا تهدم ، وإنما أراد به مواضع الصلوات ، وعبر بالصلوات عنها على سبيل المجاز فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه ، قال : فلم يكن له عنه جواب . قلت : ذكر أبو عبيد في كتاب " الأموال " أن الصلوات بيوت تبنى في البراري للنصارى يصلون فيها في أسفارهم تسمى صلوتا ، فعربت [ ص: 49 ] صلوات ، ومنه قوله تعالى { لهدمت صوامع وبيع وصلوات } إنما أراد هذه البيوت على ما يروى في التفسير . هذا كلامه ، وهو غريب ، وعليه فلا حجة على إذ لا مجاز حينئذ . والحق في هذه المسألة : أنه إن أريد بالقرآن نفس الكلام القديم فلا مجاز فيه ، أو الألفاظ الدالة عليه ، فلا شك في اشتمالها عليه . وقال داود الغزالي في إثبات القياس : الخلاف لفظي فإن الحقيقة قد يراد بها الحق ، وهو ما به الشيء حق في نفسه ويقابله المجاز ، ويكون تقابلهما تقابل الحق والباطل ، وهذا المعنى يجب القطع بنفي المجاز عنه ، وقد يراد بالحقيقة اللفظ العربي المستعمل فيما وضع له ، وبالمجاز ما استعمل في غير موضوعه ، وهو بهذا المعنى يشتمل عليه قطعا .
وقال : المخالف في وقوعه في اللغة والقرآن لا يخلو إما أن يخالف في أن ما فيهما لا يسمى مجازا أو في أن ما فيها ما هو مستعمل في غير موضوعه ، فإن كان الأول رجع الخلاف إلى اللفظ ; لأنا لا ندعي أن أهل اللغة وضعوا لفظ المجاز لما استعملوه فيما لم يوضع لإفادته ; لأن ذلك موضوع في لغتهم للممر والطريق ، وإنما استعمل العلماء هذه اللفظة في هذا المعنى اصطلاحا منهم ، وإن كان الثاني تحقق الخلاف في المعنى ; لأن غرضنا بإثبات المجاز يرجع إلى كيفية الاستعمال ، وأنه قد يستعمل الكلام في غير ما وضع له فيدل عليهم وجوده في لغتهم بما لا تنكره الأكابر . القاضي عبد الوهاب