[ ص: 345 ] مسألة [ الأمر بالأمر بالشيء ] ، وإلا لزم التخلف في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : { الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء ما لم يدل عليه دليل } كذا قال مروهم بالصلاة لسبع القاضي والغزالي والآمدي وغيرهم ، وذلك لأن الأمر كما كان على ضربين : بوسط ، وبغير وسط جعلوا الأمر بوسط ليس أمرا حقيقيا ، ونقل العالمي عن بعضهم أنه أمر ، ونصره العبدري وابن الحاج في كلامهما على المستصفى " وقالا : هو أمر حقيقة لغة وشرعا بدليل { } ففهم الأعرابي الجافي ، من أمر [ ص: 346 ] الله لنبيه أن يأمرهم بذلك أنه مأمور بذلك المأمور به ، وذلك بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم ، فبادر إلى الطاعة . قائلا : وأي فرق بين قوله للناس : افعلوا كذا ، وقوله لنبيه : مرهم أن يفعلوا ؟ . واحتج بعضهم أيضا بحديث قول الأعرابي : آلله أمرك بهذا فقال : نعم فإنه قد جاء في رواية : { ابن عمر } وفي رواية : { مره فليراجعها } ، ففي هاتين الروايتين الأمر له وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلو لم يكن قوله في الرواية الأولى : { فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها } دالا على أنه مأمور من النبي صلى الله عليه وسلم لما كان مرويا في الروايتين الأخيرتين بالمعنى ; لأن المعنى يكون مختلفا حينئذ ، وكلام مره فليراجعها سليم الرازي في التقريب " يقتضي أنه يجب على الثاني الفعل جزما ، وإنما الخلاف في تسميته أمرا أم لا ، فإنه قال : إذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أمته بشيء فإن ذلك الشيء يجب فعله عليهم من حيث المعنى ، وهكذا إذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الواحد من أمته أن يأمر غيره بشيء كان دالا على وجوب الفعل عليه ، ويصير ذلك بمنزلة ورود الأمر ابتداء عليه . انتهى .
وجعل في المنتهى " موضع الخلاف نحو مر فلانا بكذا . أما لو قال : قل لفلان : افعل كذا ، فالأول آمر ، والثاني مبلغ قطعا ، ومثله قول بعض الفقهاء : الخلاف في أمر الاستصلاح نحو { ابن الحاجب } فأما ما أريد به التبليغ فلا خلاف أن الثالث مأمور بذلك [ ص: 347 ] الأمر ، ولهذا اتفق الأصحاب على أن من مروهم بالصلاة لسبع استحب له أن يراجعها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم طلق زوجته في الحيض بغير عوض بعد الدخول : { لعمر } فلو كان للخلاف في هذه الحالة مجال لجرى خلاف في الاستحباب . وفصل بعض المتأخرين فقال : إن قامت قرينة تقتضي أن المراد بالأمر الأول التبليغ كان ذلك أمرا للثاني ، وإلا فلا ، وهو حسن والحق : التفصيل : إن كان للأول بأمر الثالث فالأمر الثاني بالأمر الثالث وإلا فلا . ومعنى هذه المسألة أن الشارع إذا أمر مبلغا بشيء ، فهل هو أمر للمأمور الثاني بذلك كما لو توجه نحوه الأمر من غير واسطة ؟ والجمهور على أنه ليس كذلك ، ونقل فيه خلاف ، ولم يسم قائله . نعم الخلاف بين أصحابنا الفقهاء مشهور في أن الصبي مأمور بأمر الولي فقط أو مأمور بأمر الشارع ، ورجحوا الأول ، وذلك نظر إلى وضع اللفظ فقط ، وجنوح إلى أن الصبي خارج عن حكم الخطاب وهو مقتضى حد الحكم بأنه الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين ، والأحسن التفصيل المذكور ومثل جماعة منهم مره فليراجعها الغزالي هذه المسألة بقوله تعالى { خذ من أموالهم صدقة } الآية .
وقالوا : إن ذلك بمجرده لا يقتضي وجوب الإعطاء إلا من جهة وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الجملة وفيه نظر ; لأنه ليس أمرا إلا بطريق التضمن الذي اقتضاه وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل هذه الآية ترجع إلى أن ما لا يتم الشيء المأمور به ، وليس من فعل المكلفين هل يكون مأمورا به أم لا ؟ ولا تعلق لذلك بهذه المسألة .