[ ] الثالثة : هل هو موجود أم لا ؟ والجمهور من البيانيين على إثباته ووافقهم وجود المجاز الإمام الرازي وغيره ، وأنكره السكاكي ، أما وابن الحاجب فقال : إنه حقيقة ، وإسناد السرور إلى الرؤية ليس بمجاز ; لأنه يصح إسناده إليها بحكم العادة ، وإسناد الفعل إلى ما هو له عادة حقيقة ، والمجاز إنما هو في المفرد أي في الفعل . وأما ابن الحاجب السكاكي فقال : إنه راجع إلى استعارة بالكناية ، فقولهم : أنبت الربيع البقل ، استعارة بالكناية ، عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه على قاعدة الاستعارة ، ونسبة الإنبات إليه قرينة الاستعارة ، وهكذا يصنع في بقية الأمثلة .
[ ص: 93 ] واحتج المنكر بأن المسند والمسند إليه إما أن يستعملا في موضوعهما فيكون الاستعمال حقيقيا ، أو يستعمل أحدهما في غير موضوعه فالإسناد للمعنى لا للفظ ، فاللفظ مجاز ، والإسناد حقيقة ، وإسناد مدلول المجاز لمدلول المجاز أو لمدلول الحقيقة حقيقة . مثاله : أحياني اكتحالي بطلعتك . فالإحياء مجاز أو عن السرور والاكتحال مجاز عن الرؤية ، وإسناد السرور إلى الرؤية حقيقة ، فالإسناد دائما للمعنى ، والمعنى نسبة شيء فلا يختلف . وأجاب القرافي عن هذا بوجهين : أحدهما أنا في مجاز التركيب لا نلاحظ المعنى أصلا ، بل مجرد اللفظ هل وضع ليركب مع هذا اللفظ أو لا ؟ فما وضع ليركب مع اللفظ فهو مجاز في التركيب . ثانيهما : أن السؤال مغالطة ; لأنا ادعينا أن تركيب لفظ الإحياء مع لفظ الاكتحال مجاز في التركيب ، وأنتم أثبتم تركيب لفظ السرور مع الرؤية ، وهو غير محل النزاع . ا هـ .
قيل : وهما فاسدان ، أما قوله في مجاز التركيب لا نلاحظ المعنى فممنوع ، وأي مجاز لا يلاحظ فيه المعنى ؟ وكيف يتصور ذلك والمجاز بنوعيه شرطه العلاقة ، وهي معنى ؟ وأما الثاني : فنقول : أي فرق بين تركيب لفظ الإحياء والاكتحال ، ولفظ السرور والرؤية ؟ وكل ما ثبت للشيء ثبت لمساويه والإحياء والاكتحال بالمعنى المجازي مساويان للسرور والرؤية . وممن أنكر مجاز التركيب في مختصره الكبير " و " أماليه " واستبعده في " الصغير " ورد على ابن الحاجب عبد القاهر في قوله في نحو : أحياني اكتحالي بطلعتك أن المجاز في الإسناد . قال ما معناه : ; لأن المجاز والحقيقة معتوران شيئا بحسب جهتين مختلفتين كالأسد يكون حقيقة ومجازا
[ ص: 94 ] باعتبار الحيوان المفترس والرجل الشجاع ، وأما إسناد الإحياء إلى الاكتحال ، فليس له إلا جهة واحدة وهي الله - تعالى - وحده ، فلا يتصور أن يقع من غيره فلا يكون مجازا في التركيب ، ولعبد القاهر أن يقول : نظير الأسد إن أخذت الإحياء مسندا إلى شيء فهو حينئذ له جهتان : جهة يسند فيها إلى ما هو له ، وجهة ينسب إلى غير ما هو له ، وإن أخذت الإحياء ، بقيد إسناده إلى الاكتحال ، فنظيره الأسد بقيد إرادة الرجل الشجاع ، ليس له إلا جهة واحدة . وقال بعض الأئمة في قول من قال : إن المجاز في التركيب مثل : أحياني اكتحالي بطلعتك : فيه نظر ; لأنك إذا رددت المفردات إلى ما هي مجاز عنه لم يبق في التركيب مجاز ، وذلك يدل على أن المجاز في المفردات . وطريق ردها إلى ما هي مجاز عنه أن أحياني مجاز عن سرني ، واكتحالي مجاز عن رؤيتي ، وطلعتك مجاز عن وجهك ، وإنما يكون المجاز في التركيب في مثل قول القائل : أحيا الأرض شباب الزمان ; لأنك وإن رددت المفردات إلى ما هي عليه بقي المجاز في الإسناد ; لأن إحياءها في الحقيقة إنما هو من الله تعالى . قلت : وينبغي أن يكون هذا الخلاف ليس في جوازه ولا في وقوعه بدليل الأمثلة ، وإنما الخلاف في كونه عقليا أو لغويا ، أي : في أن القول في هذا المجاز هل هو حكم عقلي أو لفظ وضعي ؟ وسنذكره ، وقد عكس أبو المطرف بن عميرة في كتاب " الشبهات " قول ، وقال : المجاز قط لا يكون إلا في التركيب ولا يكون في المفرد . نعم ، عند التعليم بالمثال قد يجاء باللفظ المفرد فيقال ، كما يقال للشجاع : هو أسد ، وللبليد : هو حمار ، والنحوي يقول : إعراب الفاعل الرفع والمفعول النصب ، كما [ ص: 95 ] يقول : زيد إذا جعلته فاعلا ، وزيدا إذا جعلته مفعولا ، فكان يلزم على هذا إذا قيل : ضرب زيد عمرا أن يقال في الإعراب الإفرادي ، وفي هذا التركيبي أو الإسنادي ، والإعراب حقيقة إنما هو في هذا ، وانظر أمثلتهم في الإسنادي ، وفي الإفرادي تجدها واحدة . ابن الحاجب