[ ] الرابع : العلم ; لأن الأعلام لم تنقل لعلاقة . كذا أطلقه صاحب المعتمد العلم والإمام في " المحصول " . وتحقيقه : أن المجاز يدخل في كل اسم أفاد معنى في المنقول إليه غير المعنى الذي أفاده في الاسم المنقول منه ، وذلك كقولنا : البحر حقيقة في الماء الكثير ثم نقلناه إلى العالم لكثرة علمه ، فأفادنا في حقيقته كثرة الماء ، وفي مجازه كثرة العلم ، وكذلك ما أشبهه ، فأما زيد وعمرو ونحوهما من الأعلام ، فإنها موضوعة للفرق بين الأعيان والأجسام وذلك حقيقة ، فلو استعملنا اسم زيد في غيره مما لا يسمى زيدا لم يفدنا ذلك غير ذلك المعنى الذي أفاده في حقيقته ، وهو الفرق بين الأجسام والأعيان فلم يتصور دخول المجاز فيها ، وقيده الصفي الهندي في " النهاية " بالأعلام المنقولة ، وكذا قال الجاربردي : الذي يدور في خلدي أن المراد الأعلام المنقولة ، والتحقيق أنه لا فرق بين المنقولة والمرتجلة لما ذكرنا ، ولأن الأعلام الموضوعة بوضع [ ص: 100 ] أهل اللغة حقائق لغوية كأسماء الأجناس ، وقد قال غيرهما : سواء كان العلم مرتجلا أو منقولا لغير علاقة ، فإن نقل لعلاقة كمن سمى ولده بالمبارك لما ظنه فيه من البركة فكذلك بدليل صدقه عليه مع زوالها ، وصار إلى أنها حقائق عرفية فقال في " كتابه " : وجملة أسماء الألقاب منقولة عن أصولها وموضوعها إلى غيرهما على طريق الاصطلاح ليجعلوها بهذه الأسماء أخص بها وأشهر من غيرها حتى إذا ذكر به لم يدل إلا عليه . قال : وكذلك قال ابن فورك : إن قولهم : زيد الاسم الجامع للأوصاف لما كان قصد به أن يكون العلم الخاص له من سائر مسميات جنسه . ا هـ . سيبويه
واعلم أن هذا الحكم ليس متفقا عليه ، فقد حكى في " الملخص " الخلاف في دخول المجاز في الأعلام ، وكذلك صاحب " الميزان " من الحنفية ، فقال : القاضي عبد الوهاب ؟ قال : والأكثرون على الدخول ، وكذا قاله الأعلام هل يدخلها الحقيقة والمجاز ابن لقمان الكردي في كتابه " الفصول " ذهب عامتهم إلى أن الأعلام يدخل فيها الحقيقة والمجاز ، ومن هنا قال : إن كل كلام عربي مستعمل لا يخرج عن الحقيقة والمجاز ، إذ الأعلام عربية . وفي المسألة قول ثالث جزم به ابن الساعاتي القاضي أبو بكر والغزالي في " المستصفى " ، وهو التفصيل بين الأعلام التي لم توضع إلا للفرق بين الذوات كزيد وعمرو ، فلا يدخلها المجاز ; لأنها لم توضع للفرق بين الصفات وبين الأعلام الموضوعة للصفة كالأسود ونحوه ; إذ لا يراد به الدلالة على الصفة مع أنه وضع لها فيكون [ مجازا ] وعلى هذا جرى ابن السمعاني في " القواطع " فقال : الحقيقة والمجاز لا يدخلان في أسماء الألقاب ويدخلان في أسماء الاشتقاق .
[ ص: 101 ] قال بعض شارحي " المحصول " : إنما قال الغزالي ذلك بناء على مذهبه في عدم اعتبار العلاقة في المجاز ، فإن المجاز عنده ما استعملته العرب في غير موضوعه ، فما ذكره مستقيم على مذهبه لا غير ، وفيه نظر ; لأنه لو كان مأخذه في هذا عدم اعتبار العلاقة لم يفرق بين زيد وعمرو وبين الأسود والحارث ، بل جعل الكل مجازا ; إذ يصدق واحد منهما أنه استعملته العرب في غير موضعه . وقال بعض نفاة المجاز : تصور هذه المسألة محال ; إذ يستحيل وضع سابق على الاستعمال ثم يطرأ الاستعمال فصار باعتباره حقيقة ومجازا ، ولا يعرف تجرد اللفظ عن الاستعمال ، وهو مستحيل ، وإن تجرده عن الاستعمال كتجرد الحركة عن المتحرك . نعم إنما يتجرد ، وهي حينئذ ليست لفظا وإنما هي على تقدير ألفاظ لا حكم لها ، وثبوتها في الرسم مسبوق بالنطق بها ، فإن الخط يستلزم اللفظ من غير عكس . قالوا : ويستلزم أمرا فاسدا ، وهو أنه إذا تجرد الوضع عن الاستعمال جاز أن يوضع للمعنى الثاني من غير أن يستعمله في معناه الأول فيكون مجازا لا حقيقة له . وأورد بعضهم على القائلين : إن الأعلام لا يدخلها المجاز نحو قولنا : أبو يوسف أبو حنيفة ، وزيد زهير شعرا ، وهذا لا يرد ; لأن الكلام الآن في أن العلم بالنسبة إلى مدلوله ليس بمجاز ، وأما استعمال العلم في غير مدلوله كاستعمال أبي حنيفة في أبي يوسف واستعمال زهير في زيد ، وكذلك اشتريت سيبويه وتريد كتابه ، فقد يقال : كيف يجوز ذلك والمجاز فيه غير العلم ؟ والعلم إذا لم يكن حقيقة ولا مجازا فكيف يجعل المجاز ناشئا عنه ؟ وأجاب التبريزي في كلامه على " المحصول " بجوابين : أحدهما : أنها في هذه الحالة خرجت عن العلمية
[ ص: 102 ] الثاني : أنه مجاز عقلي . والجواب الصحيح ما اقتضاه كلام ، وصرح به النحاة : أنه على حذف مضاف ، أي أبو يوسف مثل أبي حنيفة ، وزيد مثل زهير ، واشتريت كتاب سيبويه ، وقد تحصلنا في هذه المسألة على مذاهب ، ويجب تخصيص محل الخلاف بالأعلام المجددة دون الموضوعة بوضع أهل اللغة ، فإنها حقائق لغوية . القاضي أبي بكر