الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      [ العلم ] الرابع : العلم ; لأن الأعلام لم تنقل لعلاقة . كذا أطلقه صاحب المعتمد والإمام في " المحصول " . وتحقيقه : أن المجاز يدخل في كل اسم أفاد معنى في المنقول إليه غير المعنى الذي أفاده في الاسم المنقول منه ، وذلك كقولنا : البحر حقيقة في الماء الكثير ثم نقلناه إلى العالم لكثرة علمه ، فأفادنا في حقيقته كثرة الماء ، وفي مجازه كثرة العلم ، وكذلك ما أشبهه ، فأما زيد وعمرو ونحوهما من الأعلام ، فإنها موضوعة للفرق بين الأعيان والأجسام وذلك حقيقة ، فلو استعملنا اسم زيد في غيره مما لا يسمى زيدا لم يفدنا ذلك غير ذلك المعنى الذي أفاده في حقيقته ، وهو الفرق بين الأجسام والأعيان فلم يتصور دخول المجاز فيها ، وقيده الصفي الهندي في " النهاية " بالأعلام المنقولة ، وكذا قال الجاربردي : الذي يدور في خلدي أن المراد الأعلام المنقولة ، والتحقيق أنه لا فرق بين المنقولة والمرتجلة لما ذكرنا ، ولأن الأعلام الموضوعة بوضع [ ص: 100 ] أهل اللغة حقائق لغوية كأسماء الأجناس ، وقد قال غيرهما : سواء كان العلم مرتجلا أو منقولا لغير علاقة ، فإن نقل لعلاقة كمن سمى ولده بالمبارك لما ظنه فيه من البركة فكذلك بدليل صدقه عليه مع زوالها ، وصار ابن فورك إلى أنها حقائق عرفية فقال في " كتابه " : وجملة أسماء الألقاب منقولة عن أصولها وموضوعها إلى غيرهما على طريق الاصطلاح ليجعلوها بهذه الأسماء أخص بها وأشهر من غيرها حتى إذا ذكر به لم يدل إلا عليه . قال : وكذلك قال سيبويه : إن قولهم : زيد الاسم الجامع للأوصاف لما كان قصد به أن يكون العلم الخاص له من سائر مسميات جنسه . ا هـ .

                                                      واعلم أن هذا الحكم ليس متفقا عليه ، فقد حكى القاضي عبد الوهاب في " الملخص " الخلاف في دخول المجاز في الأعلام ، وكذلك صاحب " الميزان " من الحنفية ، فقال : الأعلام هل يدخلها الحقيقة والمجاز ؟ قال : والأكثرون على الدخول ، وكذا قاله ابن لقمان الكردي في كتابه " الفصول " ذهب عامتهم إلى أن الأعلام يدخل فيها الحقيقة والمجاز ، ومن هنا قال ابن الساعاتي : إن كل كلام عربي مستعمل لا يخرج عن الحقيقة والمجاز ، إذ الأعلام عربية . وفي المسألة قول ثالث جزم به القاضي أبو بكر والغزالي في " المستصفى " ، وهو التفصيل بين الأعلام التي لم توضع إلا للفرق بين الذوات كزيد وعمرو ، فلا يدخلها المجاز ; لأنها لم توضع للفرق بين الصفات وبين الأعلام الموضوعة للصفة كالأسود ونحوه ; إذ لا يراد به الدلالة على الصفة مع أنه وضع لها فيكون [ مجازا ] وعلى هذا جرى ابن السمعاني في " القواطع " فقال : الحقيقة والمجاز لا يدخلان في أسماء الألقاب ويدخلان في أسماء الاشتقاق .

                                                      [ ص: 101 ] قال بعض شارحي " المحصول " : إنما قال الغزالي ذلك بناء على مذهبه في عدم اعتبار العلاقة في المجاز ، فإن المجاز عنده ما استعملته العرب في غير موضوعه ، فما ذكره مستقيم على مذهبه لا غير ، وفيه نظر ; لأنه لو كان مأخذه في هذا عدم اعتبار العلاقة لم يفرق بين زيد وعمرو وبين الأسود والحارث ، بل جعل الكل مجازا ; إذ يصدق واحد منهما أنه استعملته العرب في غير موضعه . وقال بعض نفاة المجاز : تصور هذه المسألة محال ; إذ يستحيل وضع سابق على الاستعمال ثم يطرأ الاستعمال فصار باعتباره حقيقة ومجازا ، ولا يعرف تجرد اللفظ عن الاستعمال ، وهو مستحيل ، وإن تجرده عن الاستعمال كتجرد الحركة عن المتحرك . نعم إنما يتجرد ، وهي حينئذ ليست لفظا وإنما هي على تقدير ألفاظ لا حكم لها ، وثبوتها في الرسم مسبوق بالنطق بها ، فإن الخط يستلزم اللفظ من غير عكس . قالوا : ويستلزم أمرا فاسدا ، وهو أنه إذا تجرد الوضع عن الاستعمال جاز أن يوضع للمعنى الثاني من غير أن يستعمله في معناه الأول فيكون مجازا لا حقيقة له . وأورد بعضهم على القائلين : إن الأعلام لا يدخلها المجاز نحو قولنا : أبو يوسف أبو حنيفة ، وزيد زهير شعرا ، وهذا لا يرد ; لأن الكلام الآن في أن العلم بالنسبة إلى مدلوله ليس بمجاز ، وأما استعمال العلم في غير مدلوله كاستعمال أبي حنيفة في أبي يوسف واستعمال زهير في زيد ، وكذلك اشتريت سيبويه وتريد كتابه ، فقد يقال : كيف يجوز ذلك والمجاز فيه غير العلم ؟ والعلم إذا لم يكن حقيقة ولا مجازا فكيف يجعل المجاز ناشئا عنه ؟ وأجاب التبريزي في كلامه على " المحصول " بجوابين : أحدهما : أنها في هذه الحالة خرجت عن العلمية

                                                      [ ص: 102 ] الثاني : أنه مجاز عقلي . والجواب الصحيح ما اقتضاه كلام القاضي أبي بكر ، وصرح به النحاة : أنه على حذف مضاف ، أي أبو يوسف مثل أبي حنيفة ، وزيد مثل زهير ، واشتريت كتاب سيبويه ، وقد تحصلنا في هذه المسألة على مذاهب ، ويجب تخصيص محل الخلاف بالأعلام المجددة دون الموضوعة بوضع أهل اللغة ، فإنها حقائق لغوية .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية