ومعنى ذلك أنا إذا سمينا إنسانا بضارب لوقوع الضرب منه أو محلا بأنه أسود لحلول السواد فيه وجب أن يسمى كل من صدر منه الضرب بأنه ضارب ، وكل من ماحله السواد واتصف به بأنه أسود ، وإلا لانتقض قولنا : إنه سمي ضاربا لوقوع الضرب منه بخلاف المجاز . فإنه لا يجب اطراده ، بل يقر حيث ورد ، فلا يستعمل إلا فيما استعمله أهل اللغة فيه أو في نظيره ، فكما يستدل بالاطراد على الحقيقة ومنها : أن الحقيقة يجب اطرادها في سائر المواضع التي ثبت فيها معناها إلا لمانع كالنخلة للإنسان الطويل ، فلا يقال لكل طويل : نخلة كذا ذكره جماعة منهم يستدل بعدم الاطراد على [ ص: 119 ] المجاز الغزالي وابن برهان . وقيده الهندي بأمرين : أحدهما : الوجوب أي يجب كون الحقيقة جارية على الاطراد لئلا يرد المجاز المطرد نقضا على طرده ، فإنه ، وإن كان مطردا ، لكنه لا يجب طرده بدليل عدم اطراد مثله في المجاز . وثانيهما : بشرط عدم المانع أي : يجب أن تكون مطردة إن لم يمنع مانع شرعي أو عقلي أو لغوي ، لئلا يرد مثل السخي والفاضل بالنسبة إلى الله - تعالى - نقضا على عكسه ، ا هـ .
وممن ذكر أن علامة الحقيقة الاطراد دون المجاز فيما نقله القاضي أبو بكر إمام الحرمين عنه في " التلخيص " ، ثم قال : وهو سديد إلا أنه لا يقتضي كبير معنى ، فإن الأصل في الحقائق نتبع أصل الوضع ، وفي المجاز نتبع استعمال أهل اللغة ، وإنما سمي كل من صدر عنه الضرب ضاربا بالاتباع لا بالقياس . وحكاه أبو الحسين في " المعتمد " عن بعضهم ، ثم قال : والصحيح أن نفس الاطراد من غير منع دليل على أن الاسم مجاز ; لأنه قد ثبت وجوب اطراد الاسم في حقيقته ، واطراده لا يدل على أنه حقيقة ; لأن المجاز وإن لم يجب اطراده فلا يمنع مانع من اطراده . وقيل : ليس الاطراد من علامات الحقيقة ، فإن من المجاز ما قد يطرد كإطلاق اسم الكل على الجزء ونحوه .
[ ص: 120 ] وقال إلكيا الهراسي : الخلاف في هذه مبني على أن الحقائق تقاس عليها قال : وفيه نظر ; لأنا قد بينا أن لا قياس في اللغة أصلا ، فلا يسمى من صدر منه الضرب ضاربا قياسا ، ولكن توقيفا ، ولو ثبت الاطراد في المجاز نقلا طردناه .