عن الأول وإثبات للثاني وتستعمل بعد النفي والإيجاب ، ويأتي بعدها المنفي كما يأتي الموجب . بل : حرف إضراب
[ ص: 205 ] قالوا : وهي أعم في الاستدراك بها من " لكن " تقول في الموجب : قام زيد بل عمرو ، وفي المنفي : ما قام زيد بل عمرو ، وقال تعالى : { إنا لمغرمون بل نحن محرومون } { وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة } ومثال المنفي بعدها { أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون } { قالوا بل لم تكونوا مؤمنين } . وقيل : هي للإعراض عما قبلها أي جعله في حكم المسكوت عنه فإذا انضم إليها " لا " صار نصا في نفي الأول نحو جاء زيد لا بل عمرو . ثم إن تلاها جملة كانت بمعنى الإضراب إما الإبطالي نحو { قالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } أي : بل هم ، وإما الانتقالي أي : الانتقال بها من غرض إلى غرض آخر . وزعم صاحب البسيط " وابن مالك أنها لا تقع في التنزيل إلا على هذا الوجه ، مثاله قوله تعالى : { وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون } فاستدرك ببيان عدوانه وخرج من قصة إلى أخرى ، وهي في ذلك كله حرف ابتداء لا عاطفة على الصحيح .
وقال ابن الخشاب : إذا قلت جاء زيد لكن عمرو لم يجز لك أن تقدر " لكن " حرفا عاطفا جملة على جملة ، وإن شئت اعتقدتها حرف ابتداء يستأنف عندها الكلام ، وهكذا إذا جاءت في القرآن فإن اعتقدتها عاطفة فلا وقف على ما قبلها دونها ; إذ لا تقف على المعطوف عليه وتبتدئ بالمعطوف ، وإن اعتقدتها حرف ابتداء فلك الخيار في الوقف على ما قبلها ووصله . انتهى . [ ص: 206 ] وإن تلاها مفرد فهي عاطفة ثم إن تقدمها أمر ، أو إيجاب ، كاضرب زيدا بل عمرا ، أو قام زيد بل عمرو ، فهي تجعل ما قبلها كالمسكوت عنه ، وإثبات الحكم لما بعدها . وإن تقدمها نفي أو نهي لتقرير ما قبلها على حالته وجعل ضده لما بعدها ، نحو ما قام زيد بل عمرو ، ولا يقوم زيد بل عمرو . وأجاز ومن تبعه أن يكون ما قبله معنى النفي والنهي لا بعدها ، فإذا قلت : ما رأيت زيدا بل عمرا بل ما رأيت عمرا ; لأنك إذا أضربت عن موجب في رأيت زيدا بل عمرا أضربت إلى موجب ، فكذلك تضرب عن منفي إلى منفي . ورد بأنه مخالف للاستعمال وهو مقدم على القياس وإذا تحقق معنى الإضراب بطلب شبهه ، وحقيقته ترك الشيء والأخذ في غيره وهو الثاني . المبرد