وقال بعض المتأخرين : يظن كثير من الناس ممن لا تحقيق له أن في مدلول { لا يسألون الناس إلحافا } وقوله : { ولا شفيع يطاع } ونظائره مذهبان : أحدهما : نفي الإلحاف وحده . والثاني : نفي السؤال والإلحاف معا ، وينشد :
على لاحب لا يهتدى بمناره
ولم يقل أحد إن نفيهما معا في الآية من مدلول اللفظ بل هو من جملة محامله ، كما أن زيدا من جملة محامل رجل ، وقد تقرر في المعقول أن القضية السالبة لا تستدعي وجود موضوعها فكذلك سلب الصفة لا يستدعي وجود الموصوف ولا نفيه . والحاصل : أن اللفظ محتمل ، ولا دلالة له على واحد من الطرفين بعينه ، وليس هو مترددا بينهما بل مدلوله أعم منهما وإن كان الواقع لا يخلو عن أحدهما ، والمتحقق فيه انتقاء الصفة ; لأنه على التقديرين ، وانتفاء الموصوف محتمل .لا دلالة لنفي المركب على انتفائه ولا ثبوته ، لكن إذا جعلنا الصفة تشعر به نزع إلى القول بعموم الصفة ، فمن أنكره فواضح ، ومن أثبته وقال : إنه من جهة العلة فكذلك ; لأن محله إذا كانت الصفة المحكوم عليها والحكم معللا بها فلا يثبت عند انتفائها ، وهنا الصفة في الحكم ، ومن أثبته ، وقال : إنه من جهة اللفظ فيناسبه القول به هنا إلا أن يظهر غرض سواه كما هو مبين هناك .