[ ص: 261 ] في وقد اختلف فيه بحسب اختلافهم في إثبات الكلام النفسي ونفيه ، فصار النفاة إلى أنه عبارة عن اللفظ اللساني فقط ، والأمر وسائر الكلام لا حقيقة له عندهم إلا العبارات ، فقالوا : إنه اللفظ الدال على طلب الفعل ممن هو دونه ، وصار المثبتون إلى تفسيره بالمعنى الذهني ، وهو ما قام بالنفس من الطلب ; لأن الأمر بالحقيقة هو ذلك الطلب واللفظ دال عليه ، فقال مدلول الأمر القاضي : هو القول المقتضي بنفسه طاعة المأمور به ، ويريد بالاقتضاء الطلب فيخرج الخبر وغيره من أقسام الكلام . ويحترز بقوله " بنفسه " عن الصيغ الدالة عليه ، فإنها لا تقتضي بنفسها ، بل إنما يشعر معناها بواسطة الوضع والاصطلاح ، وقوله : " طاعة الأمر " لينفصل الأمر عن الدعاء والرهبة . وهذا تعريف النفساني فإن أردت اللساني أسقطت قوله : بنفسه واعترض عليه ، بأنه عرف الشيء بما يساويه في الخفاء ; لأن من لا يعرف الأمر لا يعرف المأمور ، فإنه تعريف له بما لا يعرف إلا بعد معرفته ، فإن الطاعة عبارة عن موافقة الأمر ، فمن لا يعرفه لا يعرفها ثم يلزم الدور . ويجاب من جهة الطاعة أن المراد منها الطاعة اللغوية . والصحيح فيه : أنه اللفظ الدال على طلب فعل غير كف بالوضع ، فخرج النهي ، فإنه طلب فعل أيضا ولكن هو كف ، وخرج " بالأمر " نحو أوجبت عليك كذا فإنه صادق عليه مع كونه خبرا . قال الإمام : والحق أنه اسم لمطلق اللفظ الدال على الطلب المانع من النقيض لا لمطلق اللفظ الدال على مطلق الطلب . قال : وذلك إنما يظهر [ ص: 262 ] ببيان أن الأمر للوجوب ، وهذا جار على قوله : إن لفظ الأمر هو صيغة " افعل " والصواب : تغيرهما ، ويدل له ذهاب الجمهور ، ومنهم القاضي إلى أن المندوب مأمور به مع قولهم : إن صيغة " افعل " حقيقة في الوجوب . قال القاضي في مختصر التقريب " : الأمر الحقيقي معنى قائم بالنفس ، وحقيقته اقتضاء الطاعة . ثم ذلك ينقسم إلى ندب ووجوب ليتحقق الاقتضاء فيهما ، وأما العبارة الدالة على المعنى القائم بالنفس ، كقول القائل : " افعل " فمتردد بين الدلالة على الوجوب والندب والإباحة والتهديد ، فيتوقف فيها حتى يثبت بقيود المآل أو بقرائن الأحوال تخصيصها ببعض المقتضيات ، فهذا ما نرتضيه من المذاهب . قال الشيخ شمس الدين الجزري رحمه الله في أجوبة التحصيل " : لفظ " أمر " يشترك بين القول المخصوص والمعنى القائم بالذات ، وذلك المعنى هل هو طلب أو إرادة ؟ اختلف فيها أصحابنا والمعتزلة ، والقديم هو المعنى القائم بالذات
عند أصحابنا ، ولكن لا نصير مأمورين به إلا إذا دل على ذلك المعنى الأمر القولي . فائدة قال الإمام محمد بن يحيى : محال فإن المفهوم منه في حقنا ميل النفس ، وهو منزه عن ذلك ، وتفسيره بالأداة والصيغة ممتنع ، فيجب تفسيره بالإخبار عن الثواب على القول لا غير تارة والعقاب على الترك أخرى . حكاه تفسير أمر الله - تعالى - بالطلب أبو المحاسن المراغي في كتاب غنية المسترشد " .