[ ص: 367 ] ورود صيغة النهي لمعان    ] وترد صيغه النهي لمعان : أحدها : للتحريم ، كقوله تعالى : { ولا تقربوا الزنا    } الثاني : الكراهة ، كقوله تعالى : { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه    } ومثله الهندي  بقوله { ولا تعزموا عقدة النكاح    } أي على عقدة النكاح ، وقد يدل عليه السياق كقوله { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون    } قال الصيرفي    : لأنه حثهم على إنفاق أطيب أموالهم ، لا أنه يحرم عليهم إنفاق الخبيث من التمر أو الشعير من القوت ، وإن كانوا يقتاتون ما فوقه ، وهذا إنما نزل في الأقناء التي كانت تعلق في المسجد فكانوا يعلقون ، الحشف . قال : فالمراد بالخبيث هنا الأردأ ، وقد يقع على الحرام ، كقوله : { ويحرم عليهم الخبائث    } وقد يعلل بالتوهم ، لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدري أين باتت يده   } وكذلك حديث عدي  في العبد : { إني أخشى أن يكون قد أمسك على نفسه   } فنبهه على مظنة الشبهة احتياطا . 
الثالث : الأدب ، كقوله { ولا تنسوا الفضل بينكم    } . 
 [ ص: 368 ] الرابع : التحقير لشأن المنهي عنه ، كقوله تعالى : { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به    } . الخامس : التحذير ، كقوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون    } . السادس : بيان العاقبة ، كقوله تعالى : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا    } . السابع : اليأس ، كقوله تعالى : { لا تعتذروا    } . الثامن : للإرشاد إلى الأحوط بالترك ، كقوله تعالى : { لا تسألوا عن أشياء    } ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : { لا تعمروا ولا ترقبوا   } قال الرافعي  في باب الهبة : قال الأئمة : هذا إرشاد معناه : لا تعمروا طمعا في أن يعود إليكم ، واعلموا أن سبيله سبيل الميراث . التاسع : اتباع الأمر من الخوف كقوله : { ولا تخف إنك من الآمنين    } . العاشر : الدعاء ، كقوله : { لا تكلنا إلى أنفسنا   } . الحادي عشر : الالتماس ، كقولك لنظيرك : لا تفعل هذا . الثاني عشر : التهديد ، كقولك لمن لا يمتثل أمرك : لا تمتثل أمري . 
الثالث عشر : الإباحة وذلك في النهي بعد الإيجاب فإنه إباحة للترك . الرابع عشر : الخبر ، ومثله الصيرفي  بقوله تعالى : { لا تنفذون إلا بسلطان    } فالنون في " تنفذون " جعل خبرا لا  [ ص: 369 ] نهيا يدل على عجزهم عن قدرتهم ولولا النون لكان نهيا ، وأن لهم قدرة كفهم عنها النهي ، وعكسه قوله : { لا ريب فيه    } أي : لا ترتابوا فيه على أحد القولين ، كقوله تعالى : { ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون    } لم ينههم عن الموت في وقت ; لأن ذلك ليس إليهم وقوله تعالى : { الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة    } لفظه الخبر ، ومعناه النهي أي : لا تنكحوا . وليست حقيقة في الكل اتفاقا بل في البعض ، وهو إما تحريم فقط ، وإما الكراهة فقط ، وإما هو مشترك بينهما أو هي مشتركة بينهما أقوال : والأول معنوي ، والثاني لفظي ، أو لا يدرى حال هذه الأقسام مع أنه غير خارج عنها ، أو الوقف على ما سبق في الأمر . وحكى الغزالي  القول بالإباحة هنا ، ورأيت من ينكره عليه ، وإنما قال الغزالي  في المنخول " : إن من حمل الأمر على الإباحة ورفع الحرج حمل هذا على رفع الحرج في ترك الفعل . وقال أبو زيد  في التقويم " : لم أقف على الخلاف في حكم النهي كما في الأمر ، فيحتمل أن تكون أقوالهم في النهي حسب اختلافهم في الأمر ، فمن قال بالوقف ثم يقول به هنا ، ومن قال بالإباحة ثم يقول بالإباحة هنا ، وهو إباحة الانتهاء ، ومن قال بالندب هناك يندب الانتهاء هنا ، ومن قال بالوجوب ثم يقول به هاهنا . وقال البزدوي    : إن المعتزلة  قالوا بالندب في باب الأمر ، وفي النهي قالوا بالوجوب ; لأن الأمر يقتضي حسن المأمور به ، والمندوب والواجب في  [ ص: 370 ] اقتضاء الحسن سواء بخلاف النهي ، فإنه يقتضي قبح المنهي عنه ، والانتهاء عن القبيح واجب ، فأما إتيان الحسن فليس بواجب ، ولهذا فرقوا . 
				
						
						
