المثال التاسع والعشرون : مفسدة محرمة ، لما فيه من تعريض الأولاد للإرقاق ، لكنه جائز عند خوف العنت وفقد الطول ، دفعا لمفسدة وقوع التائق في الزنا الموجب في الدنيا للعار وفي الآخرة لعذاب النار . فإن قيل : كيف يحرم تحصيل مصلحة ناجزة محققة لتوقع مفسدة ممهلة ؟ قلنا لما غلب وقوع هذه المفسدة جعل الشرع المتوقع كالواقع ، فإن العلوق غالب كثير ، والشرع قد يحتاط لما يكثر وقوعه احتياطه لما تحقق وقوعه . [ ص: 108 ] ألا ترى أن من أثبت أن أباه مات فإنه يلزمه حصر الورثة فيه ، وإن أثبت نفي الزوجات والآباء والأمهات لم ينفعه الإثبات ، وإن كان الأصل عدم من سوى الأصول والزوجات ، وذلك احتياط لما يتوهم وجوده من الورثة . فإن قيل لو طلب هذا الأمين من التركة درهما واحدا وهي عشرة آلاف ، فهل يدفع إليه شيء قبل الحصر أم لا ؟ قلنا نعم يدفع إليه ما يقطع بأنه يستحقه إذا كان عدد الورثة لا ينتهي إلى مثل عدد التركة في العادة ، كما يدفع إلى ذوي الفروض فروضهم عائلة ، إذ من المحال في العادة أن ينتهي عدد الورثة إلى ألف أو ألفين فما النظر بعشرة الآلاف . فإن قيل : إذا نكاح الأحرار الإماء فليجز ذلك مع أمن العنت ووجدان الطول إذ لا يتوقع له ولد فيرق ؟ تزوج الأمة حر مجبوب الذكر والأنثيين قلت : إن ألحقنا به النسب جاز كغير المجبوب وإن لم يلحق به النسب فالذي أراه جواز ذلك إذ لا مانع منه .