[ ص: 142 ] إن قيل : ؟ فالجواب إن أجر الحاكم أعظم لأنه يفتي ويلزم فله أجران : أحدهما : على فتياه والآخر على إلزامه ، هذا إذا استوت الواقعة التي فيها الفتيا والحكم ، وتختلف أجورهما باختلاف ما يجلبانه من المصالح ويدرآنه ، من المفاسد ، وتصدي الحاكم للحكم أفضل من تصدي المفتي للفتيا ، وأجر الإمام الأعظم أفضل من أجر المفتي والحاكم ، لأن ما يجلبه من المصالح ويدرأه من المفاسد أتم وأعم ; وكذلك جاء في الحديث : { هل يتساوى أجر الحاكم والمفتي القائمين بوظائف الحكم والفتيا أم لا } ، فبدأ به لعلو مرتبته . سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، إمام عادل
وأجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطاعات فإن الولاة المقسطين أعظم أجرا وأجل قدرا من غيرهم لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل ، فإن أحدهم يقول الكلمة الواحدة فيدفع بها مائة ألف مظلمة فما دونها ، أو يجلب بها مائة ألف مصلحة فما دونها ، فيا له من كلام يسير وأجر كبير .
وأما ولاة السوء وقضاة الجور فمن أعظم الناس وزرا وأحطهم درجة عند الله ، لعموم ما يجري على أيديهم من جلب المفاسد العظام ودرء المصالح الجسام ، وإن أحدهم ليقول الكلمة الواحدة فيأثم بها ألف إثم وأكثر على حسب عموم مفسدة تلك الكلمة ، وعلى حسب ما يدفعه بتلك الكلمة من مصالح المسلمين ، فيا لها من صفقة خاسرة وتجارة بائرة . [ ص: 143 ] مثال ذلك : أن يأمر بقتال طائفة من المسلمين أو يأخذ أموالهم أو يتمكسهم أو يتضمن البغايا والخمور وغير ذلك من المحرمات المغضبات لرب الأرضين والسموات . وإذا أمر العادل بإبطال هذه المحرمات التي أمر بها الجائر أثيب على ردء هذه المحرمات التي أمر بها الجائر أثيب على درء هذه المفاسد المذكورات ، على حسب قلتها وكثرتها وعمومها وشمولها ، فيا له من سعي راجح وإنجاز رابح . وقد قال سيد المرسلين : { } وعلى الجملة فالعادل من الأئمة والولاة والحكام أعظم أجرا من جميع الأنام بإجماع أهل الإسلام ، لأنهم يقومون بجلب كل صالح كامل ، ودرء كل فاسد شامل فإذا أمر الإمام بجلب المصالح العامة ودرء المفاسد العامة ، كان له أجر بحسب ما دعا إليه من المصالح العامة ، وزجر عنه من المفاسد ولو كان ذلك بكلمة واحدة لأجر عليها بعدد متعلقاتها كما ذكرنا . المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يدي ربي يمين
وكذلك أجر أعوانه على جلب المصالح ودرء المفاسد ، فإذا أمر الإمام بالجهاد كان متسببا إلى تحصيل مصالحه بأمره الأجناد بمباشرة القتال ، ولمباشرة القتال أجر الإمام متوسل إلى مصالح الجهاد ، والمقاتل مباشر ، لكن الظاهر أن أجر الإمام أفضل من أجر الواحد من المجاهدين ، فإذا كانوا ألفا كان لكل واحد أجر مباشرته على حسب ما باشر ، وللإمام أجر تسببه إلى قتال الألف ، فقد صدر منه ألف تسبب ، وألف تسبب أفضل من مباشرة واحدة ، لأن بتلك التسميات حصلت مصالح القتال ولو فرض أنه أمر واحدا بالقتال فقاتل وحصل المصلحة المأمور بها فلا شك أن المباشر أفضل من الآخر . [ ص: 144 ] وليس أمر الحاكم لأحد أعوانه كذلك . فالحاكم متصد لسماع الدعوى وجوابها وسماع البينة واستزكائها ثم الحكم بعد ذلك ، فقد صدر منه طاعات متعددة ولم يصدر من آحاد أعوانه سوى طاعة واحدة .
وأما المفتون فيثابون على تصديهم للفتاوى ، وتتفاوت أجورهم بتفاوت تلك الفتاوى وكثرتها ، وعمومها وخصوصها .