[ ص: 82 ] في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة
لا يتصرف في أموال المصالح العامة إلا الأئمة ونوابهم ، فإذا تعذر قيامهم بذلك ، وأمكن القيام بها ممن يصلح لذلك من الآحاد بأن وجد شيئا من مال المصالح ، فليصرف إلى مستحقيه على الوجه الذي يجب على الإمام العدل أن يصرفه فيه ، بأن يقدم الأهم فالأهم ، والأصلح فالأصلح ، فيصرف كل مال خاص في جهاته أهمها فأهمها ، ويصرف ما وجده من أموال المصالح العامة في مصارفها أصلحها فأصلحها ، لأنا لو منعنا ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال إلى مستحقيها ، ولأثم أئمة الجور بذلك وضمنوه ، فكان تحصيل هذه المصالح ودرء هذه المفاسد أولى من تعطيلها . وإن ، فإن عرف مالكيها فليردها عليهم ، وإن لم يعرفها فإن تعذرت معرفتهم بحيث يئس من معرفتهم صرفها في المصالح العامة أولاها فأولاها ، وإنما قلنا ذلك لأن الله قال : { وجد أموالا مغصوبة وتعاونوا على البر والتقوى } ، وهذا بر وتقوى . وقال صلى الله عليه وسلم : { } ، وقال صلى الله عليه وسلم : { والله في عون العبد ما كان في عون أخيه } ، فإذا جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم كل معروف صدقة لهند أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وولدها بالمعروف ، مع كون المصلحة خاصة ، فلأن يجوز ذلك في المصالح العامة أولى ، ولا سيما غلبة الظلمة للحقوق . أبي سفيان
ولا شك أن القيام بهذه المصالح أتم من ترك هذه الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقها ، ويصرفونها إلى غير مستحقها . ويحتمل أن يجب ذلك على من ظفر به كمن وجد اللقطة في مضيعة ، وإذا جوز الشرع لمن جحد حقه أن يأخذ من مال جاحده إذا ظفر به إن كان من جنسه ، وأن يأخذه ويبيعه إن كان من غير جنسه ، مع أن هذه مصلحة خاصة فجواز ما ذكرناه مع عمومه أولى . [ ص: 83 ]
وقد خير بعض أصحاب واجد ذلك بين أن يصرفه في مصارفه ، وبين أن يحفظه إلى أن يلي المسلمين من هو أهل يصرف ذلك في مصارفه ، وينبغي أن يتقيد بما ذكره بعض الأصحاب بوقت يتوقع فيه ظهور إمام عدل . الشافعي
وأما في مثل هذا الزمان المأيوس فيه من ذلك فيتعين على واجده أن يصرفه على الفور في مصارفه ، لما في إبقائه من التغرير به وحرمان مستحقيه من تعجيل أخذه ، ولا سيما إن كانت الحاجة ماسة إليه بحيث يجب على الإمام تعجيلها .