النوع السادس والعشرين ولها ثلاثة أركان أحدهما : الندم على المعصية والمخالفة . من أعمال القلوب التوبة
والثاني : العزم على أن لا يعود إلى مثل تلك المعصية في الاستقبال .
والثالث : إقلاع عن تلك المعصية في الحال ، فهذه التوبة مركبة من ثلاثة أركان : العزم ، والندم ، والإقلاع ، وقد تكون التوبة مجرد الندم في حق من عجز عن العزم والإقلاع فلا يسقط المقدور عليه بالمعجوز عنه ، كما لا يسقط ما قدر عليه من الأركان في الصلاة بما عجز عنه ، وذلك كتوبة الأعمى عن النظر المحرم ، وتوبة المجبوب عن الزنا وهذا مبني على قاعدة مستفادة من قوله عليه السلام : { } ، أي إذا أمرتكم بمأمور فأتوا من ذلك المأمور ما استطعتموه ، أي ما قدرتم عليه ، فالأعمى والمجبوب قادران على الندم عاجزان عن العزم والإقلاع . إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
ويستحب للتائب إذا ذكر ذنبه الذي تاب منه أن يجدد الندم على فعله ، والعزم على ترك العود إلى مثله ، وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : { } ، لا يعني بذلك أنه يذنب في كل يوم مائة مرة ، بل معناه إني لأستغفر الله وأتوب إليه مائة مرة [ ص: 221 ] صغير ، وذكره صلى الله عليه وسلم إياه في اليوم مائة مرة يدل على استعظامه له مع صغره ، وذلك يدل على فرط تعظيمه وإجلاله لربه ، فشتان بين من لا ينسى الصغير الحقير من الذنوب حتى يجدد التوبة منه في كل يوم مائة مرة إجلالا لربه وبين من ينسى عظيم ذنوبه ولا تمر على باله احتقارا لذنوبه وجهلا بعظمة ربه ، وقد ذم الله من وعظ بآيات ربه فأعرض عن سماع الموعظة ونسي ما قدمت يداه ، والعارف الموقن إذا ذكر الصغيرة خجل منها وندم عليها وتألم لها ، وعزم على أن لا يعود إلى مثلها إجلالا لربه وفرقا من ذنبه ، تجديد التوبة وتكريرها عن ذنب واحد فمن أخرها زمانا صار عاصيا بتأخيرها ، وكذلك يتكرر عصيانه بتكرر الأزمنة المتسعة لها ، فيحتاج إلى توبة من تأخيرها وهذا جار في تأخير كل ما يجب تقديمه من الطاعات . والتوبة واجبة على الفور
فإن قيل : قلنا : من رأى للآدمي كسبا خصص الندم والعزم بكسبه دون صنع ربه ، ومن لا يرى الكسب خصص التوبة بحال الغفلة عن التوحد ، وهذا مشكل جدا من جهة أنه يتوب على ما يظنه فعلا له وليس بفعل له في نفس الأمر . كيف تتصور التوبة مع ملاحظة توحد الله بالأفعال خيرها وشرها مع أن الندم على فعل الأغيار لا يتصور ؟